الكلام الذي أدلى به وزير الخارجية عبدالله بو حبيب في مقابلة مع قناة “الجزيرة” بأن إسرائيل بعثت للبنان عبر وسطاء، برسالة مفادها أنها “غير مهتمة بوقف إطلاق النار مع لبنان حتى بعد التوصل الى وقف للنار في غزة” ليس تفصيلا أبداً، بل على العكس هو يوحي أن المرحلة الأصعب لم تأت بعد.
والانطباع الغالب أن الفترة الفاصلة عن موعد إقفال صناديق الإقتراع الأميركية سيستغلها رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو لرفع منسوب الحماوة. فهو يراهن على فوز دونالد ترامب ويعمل على مساعدته في ذلك، من خلال حرمان الحزب الديموقراطي من أي إنجاز في غزة. لا بل أكثر، فهو سيسعى لتأجيج النار أكثر ما سيمنح فريق ترامب ورقة مفيدة لحملاته الإنتخابية من جهة، ومن جهة أخرى سيجعل الوضع صعباً على فريق “الديموقراطيين”، والذي سيبدو محشوراً ما بين رفع مستوى الضغوط على إسرائيل وبالتالي خسارة مزيد من أصوات اليهود الأميركيين، أو “التطنيش”، وبالتالي خسارة أصوات الأميركيين من أصول عربية والمسلمين، وهو ما سيؤثر حتماً في ولاية ميشيغن المهمة. وبات واضحا أن المنافسة الانتخابية متقاربة جداً، والتقاتل على الأصوات بات يطاول كل ناخب. ولن ينتاب القلق نتنياهو في حال فوز كامالا هاريس، كون اللوبي اليهودي له تأثيره الكبير على مراكز صنع القرار في واشنطن، إضافة الى حضور الحزب الجمهوري في الكونغرس الأميركي، وهو ما ظهر جلياً خلال زيارة نتنياهو الأخيرة لواشنطن.
لذلك لا يتردّد نتنياهو في تفخيخ كل المبادرات الأميركية لوقف النار في غزة ومقاومة ضغوط البيت الأبيض، وهو ما يفسر قيام الجيش الإسرائيلي بشق طريق على طول محور فيلادلفيا بمسافة تزيد عن 6 كلم، وهو ما يؤشر إلى أن إسرائيل لا تنوي الإنسحاب الكامل من المنطقة.
وجاء كلام بوحبيب ليشير الى أنه حتى ولو ترتبت الأمور في غزة (وهو ما لا يبدو) فإن الملف اللبناني لن يقفل تلقائياً، لا بل هنالك مسار آخر واتفاق منفصل.
ويحق لنا هنا أن نعتقد بوجود تقاطع إسرائيلي ـ أميركي حول اليوم التالي المرسوم للبنان. وما يعزز هذا الاقتناع تلك الحركة الأميركية والأوروبية الضاغطة في اتجاه لبنان طوال الأشهر الماضية. فمن الواضح أن إعادة رسم الخريطة السياسية الجديدة للمنطقة تلحظ واقعاً آخر للبنان يرتكز على أساس إنهاء الدور الإقليمي لـ”حزب الله”. والحوار المتعرج والصعب الحاصل في الكواليس بين واشنطن وطهران، والذي يطاول الجوانب السياسية والإقتصادية، يدخل في إطار ترتيب المنطقة، وهذا ما توحي به الإشارات المتتالية والتي كان آخرها ما حُكي عن اتفاق حول “انسحاب” القوات الأميركية من العراق.
والمقلق أن الضغوط على لبنان قد لا تقتصر على الجانب العسكري فقط، بل قد تصل الى الجانب الإقتصادي والمالي لدولة بالكاد تبدو قادرة على الإستمرار في ظل الإنهيار والواقع المزري لمؤسساتها.