كتب منير الربيع في الدن:
تعود التهديدات الإسرائيلية لتبلغ مديات مرتفعة تجاه لبنان وحزب الله. تتكاثر الرسائل الدولية التحذيرية، المعطوفة على تصريحات المسؤولين الإسرائيليين الذين يجمعون، على اعتراضاتهم وتناقضاتهم، حول ضرورة التحرك العسكري ضد حزب الله في سبيل تغيير الوقائع العسكرية على الحدود مع لبنان، وتكريس الاستقرار لتوفير ظروف عودة سكان المستوطنات الشمالية.
يضرب الإسرائيليون مواعيد افتراضية كثيرة لتحقيق هذا الاستقرار، خصوصاً أنهم يواجهون تحدياً يتعلقّ ببدء الموسم الدراسي، وبانتظار اتخاذ قرار فتح المدارس أو إبقائها مغلقة. الكلام الإسرائيلي عن حلّ ديبلوماسي يتصل بتحقيق هدف فصل جبهة لبنان عن جبهة غزة. لذلك يضربون موعد نهاية شهر أيلول للوصول إلى اتفاق برعاية الولايات المتحدة الأميركية لتحقيق هذا الإنفكاك، وهو ما يرفضه الحزب، ويربط استمرار جبهة الإسناد بانتظار وقف إطلاق النار في غزة.
قبل الانتخابات الأميركية
هناك مواعيد أخرى تُضرب حول التصعيد مع لبنان، من ضمنها موعد ما قبل الانتخابات الأميركية، إذ تتحدث بعض المعطيات الديبلوماسية عن سعي لدى نتنياهو لتوسيع نطاق الصراع، وتصعيد العمليات العسكرية ضد حزب الله خلال الشهرين المقبلين، وذلك لتحقيق نتائج عسكرية، قبل حصول أي تغييرات في السياسة الأميركية قد تفرزها نتيجة الإنتخابات الرئاسية، مع اعتبار ان نتنياهو يستغّل الوضع الحالي والضعيف للإدارة الأميركية، بينما لا يضمن كيفية التعاطي معه من قبل كامالا هاريس في حال فازت، ودونالد ترامب، لا يريد توسيع الحرب في الشرق الأوسط، وهناك من ينقل عنه قوله لنتنياهو أن يواصل حربه وينتصر قبل انتخابه.
…وبعدها
من ضمن المواعيد المضروبة أيضاً، هو انتظار ما بعد الانتخابات، أي تأجيل العملية العسكرية إلى الربيع المقبل، ما يعني الافساح بالمجال أمام خيارات وقف الحرب في غزة، وبالتالي وقفها تلقائياً في لبنان والاتجاه نحو الحل السياسي والديبلوماسي. إلا أن المزايدات الإسرائيلية يمكن أن تدفع إلى تدهور الأوضاع، خصوصاً أن ما يريد تحقيقه الإسرائيليون سياسياً يوازي ما يريدونه عسكرياً، وهو تسجيل “انفكاك الجبهات” كما حصل ذلك في العراق، سوريا، إيران واليمن، وبالتالي لا يمكنهم القبول ببقاء لبنان كجبهة مساندة وحيدة. ومن جهة أخرى، يريد الإسرائيليون إعادة إبراز معادلة تفوقهم وترجمتها سياسياً في أي اتفاق، لتقديم ضمانات لسكان المستوطنات بعدم تكرار تجربة ٧ تشرين الأول.
تشير المعطيات الديبلوماسية إلى أن احتمالات التصعيد تتنامى وتتزايد، وهناك كلام جدي في الأوساط عن اقتراب لحظة الحماوة طالما أن الإدارة الأميركية لم تنجح في فرض وقف إطلاق النار على الإسرائيليين، وبالتالي هناك إمكانية متقدمة لفشلها أيضاً في منع التصعيد تجاه لبنان، خصوصاً أن هذا التصعيد يلقى تأييداً وتحفيزاً لدى المعارضة الإسرائيلية وداخل الحكومة.
لبنان:الحرب الآتية
في لبنان، لا يزال هناك تأرجح بين استبعاد الحرب والتخوف الجدي منها. حزب الله، يقرأ في الكثير من المعطيات الإسرائيلية التي تشكل موانع أمام حكومة نتنياهو لشن الحرب أو توسيعها. لكنه لا يزال على استنفاره، ويتخذ الإجراءات العسكرية اللازمة والتي تشير إلى أنه يستعد لحرب طويلة الأمد كما لمواجهة واسعة، وقد تكون مفتوحة. في المقابل، هناك تقديرات تشير إلى أن الضربات ستتواصل بنفس الشكل والصيغة مع إمكانية تكثيفها نارياً وتوسيعها جغرافياً لفرض اتفاق سياسي.
ولكن، لا يمكن إغفال رسائل كثيرة تتضمن تحذيرات لحزب الله ودعوات إلى التنبه، مع نصائح للعمل على خفض التصعيد ووضع الأسس للإتفاق لتجنّب حرب إسرائيلية كبرى. بعض هذه النصائح يرتكز على أن نتنياهو سيستغل كل الظروف القائمة حالياً، وكل الضغوط الداخلية عليه، ووجود البوارج العسكرية الأميركية، وتوفر الجو الدولي الذي يعتبره ملائماً لتنفيذ ضربته، خصوصاً أن كل الضربات المكثفة التي ينفذها الإسرائيليون ما بين لبنان وسوريا، وإقامة أحزمة نارية، وتقطيع أوصال “طرق الإمداد للحزب” ربما تكون تمهيداً لعملية عسكرية أوسع.