كتب عماد مرمل في الجمهورية:
أوحت الدفعة الأخيرة من التهديدات الإسرائيلية للبنان، بأنّ فرصة تفادي توسعة الحرب في الأيام أو الأسابيع المقبلة باتت ضئيلة، خصوصاً بعدما نُقل عن بنيامين نتنياهو قوله اخيراً بأنّه في صدد تنفيذ عملية قوية في الشمال، ويجب تغيير موازين القوى هناك، حتى يتسنى للنازحين العودة إلى مستوطناتهم.. فهل سيقلب الطاولة فعلاً ام سيكتفي بهزّها من دون أن يقلبها خشية من أن تقع على رأسه؟
مع أنّ فيلم التهويل الاسرائيلي ليس عرضاً أول و”deja vu”، الّا انّ هناك من يعتبر أنّ التهديدات هذه المرّة تبدو جدّية أكثر من أي وقت مضى، بعدما اشتد الضغط من داخل الكيان على نتنياهو لتغيير الواقع الراهن على الحدود مع لبنان، فيما لا يزال البعض مقتنعاً بأنّ رفع النبرة لم يخرج بعد عن إطار “الهوبرة”، وانّ هناك من “يقبض” التهديدات أكثر من مطلقيها أنفسهم، ويعيد إنتاجها مع رشة “بهارات”، لينتهي به الأمر إلى رسم سيناريوهات كاملة حول الحرب الشاملة وكأنّه يجلس في غرفة العمليات.
اما على أرض الواقع، فإنّ الكيان الاسرائيلي لا يزال يتهيّب شنّ مثل هذه الحرب، التي يعرف انّ كلفتها عليه ستكون مرتفعة جداً من دون أن تكون نتيجتها مضمونة. ومن مؤشرات التخبّط الاسرائيلي الخلاف المتصاعد بين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت حول مبدأ توسعة الحرب على لبنان، إلى درجة انّ الأول يفكر في إقالة الثاني من منصبه لأنّه لا يجاريه في سياساته وخياراته.
والتخبّط غير محصور في المستوى السياسي، بل تمدّد أيضاً إلى الميدان العسكري، كما أوحى سلوك أحد قادة الالوية في جيش الاحتلال، الذي بادر من تلقاء نفسه إلى إصدار أوامر بإلقاء مناشير تدعو سكان منطقة الوزاني في الجنوب إلى مغادرة منازلهم قبل أن تتبرأ القيادة العسكرية العليا لاحقاً من هذا التصرّف، وتؤكّد أن ليس هناك أي قرار متخذ بالدعوة إلى الإخلاء.
ولعلّ الصورة ستصبح اكثر وضوحاً بعد تبيان حصيلة زيارة الموفد الأميركي آموس هوكشتاين لتل أبيب، حيث سيحاول خفض وتيرة التصعيد ربطاً بمصلحة واشنطن في عدم اتساع دائرة المواجهة، مع الإشارة إلى انّ تأثير إدارة جو بايدن على نتياهو بات أضعف في مرحلة الانتخابات الرئاسية.
ولا يمكن في إطار محاولة استشراف الاحتمالات المستقبلية إغفال أثر الصاروخ الباليستي الذي أطلقته حركة “أنصار الله” اليمنية نحو تل ابيب، ليزيد حسابات نتنياهو إرباكاً وتعقيداً، إذ فيما كان يلوّح بمهاجمة “حزب الله” الذي يملك ترسانة هائلة من الأسلحة والصواريخ، وجد نفسه مجدداً في مواجهة التحدّي اليمني العابر للحدود والمنظومات الدفاعية، ما دفع إلى طرح السؤال الآتي: إذا كان نتنياهو عاجزاً عن التصدّي لصاروخ باليستي واحد آتٍ من اليمن على بُعد 2000 كلم، فماذا سيفعل في مواجهة عشرات آلاف الصواريخ الدقيقة التي ستنطلق في أي حرب واسعة من “المسافة صفر” في الجنوب اللبناني المتاخم لفلسطين المحتلة؟