
كتب زياد عيتاني في اساس ميديا :
في 30 كانون الأوّل 2021، أكّد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز في كلمته إلى مجلس الشورى السعودي، أنّ “المملكة تقف إلى جانب الشعب اللبناني الشقيق، وتحثّ جميع القيادات اللبنانية على تغليب مصالح شعبها، والعمل على تحقيق ما يتطلَّع إليه الشعب اللبناني الشقيق من أمن واستقرار ورخاء”، داعياً إلى “إيقاف هيمنة “الحزب” على مفاصل الدولة”.
بعد أربع سنوات لم تتبدّل السعودية ولم تتغيّر، وتنظر قيادتها إلى لبنان من زاوية الإصلاح وتصويب المسار في السياسة والاقتصاد والأمن. احتاج اللبنانيون لكلّ تلك السنوات مصحوبة بحرب تدميرية واقتصاد منهار وآلاف من القتلى الأبرياء، حتى يدركوا أنّ المملكة العربية السعودية تعرف اسم الدواء.
الكلمة المفتاح
يدرك الرئيس عون أنّ لقاءه مع الأمير محمد بن سلمان يختصر كلّ التحدّيات وذروة الرهان على نجاح العهد وإنقاذ لبنان. لا إنقاذ إن لم تكن المملكة العربية السعودية شريكة فيه وفقاً للمواصفات التي لطالما دعت المملكة إليها من الاجتماع الثلاثي في نيويورك على هامش اجتماع الجمعية العامّة للأمم المتحدة عام 2020، حيث التقى وزراء خارجية السعودية وفرنسا والولايات المتحدة الأميركية، وصولاً إلى اللجنة الخماسية في اجتماعاتها المتكرّرة في لبنان وخارج لبنان.
في رؤية بنيوية للبيان المشترك تبدو واضحة أنّ كلمة “تطبيق” هي الكلمة المفتاح. يستند البيان إليها في كلّ جمله حتّى تكاد أن تكون هي العنوان، إذ جاءت في أربعة أمكنة بشكل مباشر، وفي مكان خامس عبر مفردة معطوفة من أجل مزيد من البيان.
كان البيان المشترك السعودي – اللبناني واضحاً عبر تأكيده أربع نقاط:
1- تطبيق خطاب القسم والبيان الوزاري لحكومة نوّاف سلام.
2- تطبيق اتّفاق الطائف.
3- تطبيق القرارات الدولية ذات الصلة.
4- تطبيق القوانين الملزِمة في الإصلاحات المطلوبة لإنقاذ الاقتصاد.
بعد أربع سنوات لم تتبدّل السعودية ولم تتغيّر، وتنظر قيادتها إلى لبنان من زاوية الإصلاح وتصويب المسار في السياسة والاقتصاد والأمن
هي دعوة سعوديّة للبنان إلى الخروج من مرحلة الكلام والانطلاق مباشرة إلى التطبيق العمليّ من دون لفٍّ أو دوران. هي خارطة طريق لا التباس فيها لأنّها تقوم بداية على قرارات دولية تعهّد بتنفيذها لبنان، وعلى قَسَم رئاسيّ أمام مجلس النوّاب، وعلى بيان وزاري نالت على أساسه الحكومة ثقة النوّاب. لا مساعدات إلى لبنان إلّا عبر بوّابة الإصلاحات. لقد شبع العالم من الكلام وبات يريد أن يرى الأقوال مقرونة بالأفعال.
صورة أفرحت لبنان
الصورة التي وقف فيها الرئيس جوزف عون إلى جانب الأمير محمد بن سلمان وهما يبتسمان تحوّلت إلى ما يشبه “بوستر” عند اللبنانيين انتشر بكثافة على صفحات الناشطين على وسائل التواصل بكلّ أنواعها. وأجمل ما كُتب عند أحدهم عبارة تقول “لبنان الجديد وُلد الآن”.
لم يكن الرهان الدولي والعربي بقيادة السعودية على انتخاب قائد الجيش العماد جوزف عون رئيساً للجمهورية عن عبث، بل لأنّه أهلٌ لهذا الرهان، فهو القادم من قصّة نجاح وطني في زمن رسبت فيه الطبقة السياسية اللبنانية برمّتها في الامتحان. حمل الرئيس جوزف عون على كتفيه نجوماً عسكرية كثيرة، لكنّه حمل أيضاً في سجلّه قصّة نجاح اسمها “مؤسّسة الجيش اللبناني”، المؤسّسة الوحيدة التي وفّرت العلاج والدواء لعناصرها عندما توقّفت كلّ المؤسّسات الخاصّة والرسمية عن توفيره، والمؤسّسة الوحيدة التي حقّقت انضباطيّة وولاء منتسبيها عندما غادر الموظّفون في المؤسّسات الرسمية والخاصّة مكاتبهم، اعتراضاً على تدنّي رواتبهم بسبب الأزمة المالية والاقتصادية.
لم يكن الرهان الدولي والعربي بقيادة السعودية على انتخاب قائد الجيش العماد جوزف عون رئيساً للجمهورية عن عبث، بل لأنّه أهلٌ لهذا الرهان
منذ عام 2019 حتّى تاريخ انتخاب العماد جوزف عون رئيساً للجمهورية، وقف الجيش دائماً على الموعد في كلّ استحقاق. حمى حراك 19 تشرين 2019، فلم يقع اعتداء على المعترضين، ولا اعتداء على الأملاك الخاصّة والعامّة، وفصل بين المتنازعين عند دوّار الطيّونة وائداً الفتنة في مهدها عام 2021، وحفظ الأمن في كلّ الأمكنة الساخنة. كان يصارع من أجل الدولة كي لا تنتصر الدويلة، ثمّ كان الموعد في 7 أكتوبر 2023 حين بقي الجيش على خطوط المواجهة مع العدوّ الإسرائيلي يلملم جروح المغامرين وجثث قتلاهم.
قصّة نجاح قائد الجيش العماد جوزف عون في الأمن والانضباط والابتعاد عن السياسيين، جعلته رئيساً للجمهورية، وجعلت العالم عرباً وغرباً يراهن عليه في الإصلاح والإنقاذ.
لقاء قصر “اليمامة” في الرياض رسالته تقول: انتهت الآن مرحلة “القال والقيل وكثرة الكلام”، وقصّة النجاح في الجيش يجب أن تعمَّم على كلّ لبنان. هذا ما يقوله العالم. هذا ما قالته المملكة العربية السعودية في البيان المشترك الذي يمكن اختصاره بعبارة “التطبيق الآن”.