سلايداتمقالات

سقوط وحدة الساحات والحزب وحيداً في المواجهة

كتب العميد الركن نزار عبد القادر في اللواء:
توسعت عمليات القصف الجوي للبنان لتشمل جميع المناطق التي تشكل بيئة الحزب الحاضنة، لتشمل مختلف مناطق الجنوب والبقاع الاوسط والشمالي ووصولاً الى الضاحية الجنوبية، حيث شنّت المسيّرات الاسرائيلية غارة على مبنى في الضاحية الجنوبية في محاولة لاغتيال القيادي في حزب لله علي كركي، والذي افادت معلومات الحزب بأنه قد نجا من العملية ونقل الى مكان آمن.
وفقاً لاحصاءات مساء الاثنين 23 ايلول فقد شنت اسرائيل 1300 غارة جوية على مختلف المناطق، وقد اظهرت عمليات القصف مدى انكشاف الحزب وبيئته الحاضنة وذلك بسبب عدم امتلاك الحزب لاية انظمة فعّالة للدفاع الجوي، وعدم تحصين المدن والقرى ببناء ملاجئ تحمي سكانها المدنيين.
في آخر بيانات وزارة الصحة اللبنانية فقد بلغ عدد الشهداء 560 وتجاوز عدد الجرحى 2124 جريحاً، اما اسرائيل فقد تحدثت عن ارقام اعلى ببضع مئات من تلك التي اعلنها لبنان.
وتؤكد فداحة هذه الخسائر البشرية في لبنان ليس مدى انكشاف لبنان امام الهجمة الجوية الوحشية التي شنتها اسرائيل وحسب مدى تقصير حزب لله في بناء تحصينات وملاجئ تحمي المدنيين خلال عقود من الحديث عن اعداد آلة الحرب للدفاع عن لبنان والتحضير لدحر اسرائيل مرة جديدة. ولا بدّ ايضاً من توجيه الملامة في هذا التقصير في تأمين ادني اسباب الحماية الى ايران والحرس الثوري، اللذين اشرفا على تنظيم وتسليح حزب لله، وجهزاه مادياً ومعنوياً لهذه المواجهة العسكرية الكبرى مع اسرائيل.
كيف يمكن قراءة القصف الجوي الكثيف والعمليات الخاصة التي نفذتها اسرائيل مع بدايات حربها الثانية مع حزب لله؟.
لقد طرحتُ هذا السؤال على نفسي قبل سنوات عديدة، وجاءت الاجوبة عليه في كتاب وضعته بعنوان «الاستراتيجية الاسرائيلية لتدمير لبنان» وتحدثتُ فيه عن العمليات الجوية والبرية التي ستعتمدها اسرائيل لتدمير قدرات الحزب العسكرية، والثأر منه للنتائج الباهرة التي حققها عام 2006، ويبدو بأن اسرائيل قد اعدت الخطط اللازمة، في هذه الحرب الجديدة بهدف التخلص من كل التهديدات الداهمة التي بات الحزب يشكلها على أمنها الاستراتيجي بعدما استكمل، وبمساعدة الحرس الثوري الايراني، بناء قدراته العسكرية (البشرية وبالسلاح) استعداداً لهذه الحرب الجارية منذ 8 تشرين اول 2023، والتي بدأت تحت عنوان نصرة غزة.
قبل ان اذهب بعيداً في تحليلي لهذه الحرب، أرى انه لا بد في البداية من اجراء قراءة سريعة لمسار واهداف العمليات التي شنتها اسرائيل ضد حزب الله منذ العملية الاولى في الضاحية، لاغتيال القائد العسكري فؤاد شكر، ووصولاً الى القصف المدمّر الذي شهدناه اول امس الاثنين، واني ارى بأن اسرائيل قد بدأت هجومها الفعلي على الحزب من خلال تنفيذها لهجومين «سيبرانيين» بهدف تدمير شبكة الاتصالات التي يستعملها الحزب لوجستياً وعملانياً، مع انزال اكبر عدد من القتلى والجرحى في صفوف بنيته القيادية والادارية. وكان اللافت بأنها قد حاولت ضرب المفاصل العملانية والعسكرية للحزب من خلال استهداف قياداته العسكرية العليا، وذلك بقصد شل جهازية القيادة والسيطرة على المستوى القيادي الاعلى.
اما عمليات القصف الجوي الاخيرة فهي تهدف الى «تسطيح» البنية العسكرية للحزب على المستويين الهجومي والدفاعي، وذلك من خلال ضرب وتدمير مخازن الاسلحة والصواريخ، واستهداف مختلف مواقعه العسكرية الهامة في مختلف المناطق، من الجنوب الى مختلف مناطق البقاع الاوسط والشمالي. من المتوقع ان تستمر عملية التسطيح هذه لأيام عديدة، قبل ان تنتقل الى ضرب شبكة المواصلات العملانية واللوجستية التي يستعملها الحزب ما بين الجبهة وقواعده العسكرية الخلفية.
ما هو موقف القيادة الايرانية من هذه الحرب المدمرة التي تشنها اسرائيل على حزب الله ولبنان؟.
كانت كل المؤشرات تدل على ان ايران قد قررت مساندة حماس في مواجهة اسرائيل، وذلك باستنفار اذرعتها العسكرية لمساندة غزة وخصوصاً كُلٌّ من الحوثيين وحزب الله، حيث بادر الحزب الى فتح النار على اسرائيل في اليوم التالي لعملية طوفان الاقصى. وجاءت التطورات العسكرية لتؤكد على انخراط ايران في دعم العملية اعتباراً من نيسان الماضي حيث قامت ايران بقصف اسرائيل بمئات الصواريخ  وعشرات المسيّرات، لكن بعد القرار الاسرائيلي بفتح الجبهة الشمالية نرى بأن ايران قد بدأت تعلن انسحابها نهائياً من هذه الحرب. وجاء ذلك من خلال اعتماد قياداتها لخطاب معتدل يؤكد انها لا تريد الحرب مع اسرائيل واميركا ويبدو من خلال معلومات يجري تداولها بأن ايران قد بدأت باتصالات مع الولايات المتحدة لتؤكد حيادها في هذه الحرب وعدم نيتها للانجرار الى وحولها. لقد لعبت ايران بمقدرات اذرعتها العسكرية وحلفائها ويبدو الآن انها قد نجحت في تحقيق ما كانت تصبو اليه اولاً الاحتماء وراء فتح حوار مع الادارة الديمقراطية، والمساعدة في انتخاب كامالا هاريس للرئاسة ضد دونالد ترامب العدو اللدود لايران.
يدعو هذا التبدّل الطارئ في الموقف الايراني من الحرب الى التساؤل عما اذا كانت طهران خائفة وعاجزة عن نجدة حزب الله في مواجهة الاخطار الكبيرة التي يواجهها ام انها متواطئة مع الاميركيين على امل تحقيق مكاسب معينة، اقلها رفع العقوبات الاميركية او في ظل مخافة عودة ترامب الى البيت الابيض.
في رأينا تسعى اسرائيل من حربها على لبنان إلى تحقيق عدة اهداف رئيسية: الاول، تدمير ما يمكنها من قدرات الحزب العسكرية وبالتالي ابعاد الخطر الايراني عن حدودها الشمالية، وذلك انطلاقاً من اعتبارها ان الحزب ما هو سوى امتداداً للحرب الثوري.
والثاني اعادة ما يقارب من 80 الفاً من سكان القرى والبلدات الموجودة في شمال اسرائيل الى منازلهم، وهي تستعجل تحقيق ذلك بعد ان تحولت هذه القضية الى قنبلة موقوتة، وهي اخطر وأكثر احراجاً له من قضية الرهائن لدى حماس. والثالث ضرب حزب الله بقساوة لاجباره على تغيير موقفه الداعم لغزة.
في النهاية يدرك حزب الله مخاطر هذه المواجهة القاسية مع اسرائيل ولكنه يعتقد بقدرته على النجاح في استيعابها وعدم تحولها الى حرب اقليمية لا تريدها طهران، كما يعتقد ان بإمكانه تحمل كل الخسائر، على امل استعادة انفاسه واسترجاع المبادرة استعداداً للمنازلة البرية الكبرى، في حال حصولها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى