
إنها الحرب الأكبر في الشرق الأوسط، لجهة الأهداف المعلنة أو المساحات الجغرافية التي ستشتمل عليها. وهي الحرب الأطول إذ بدأت قبل سنّة في قطاع غزة، وانتقلت الآن إلى لبنان، ومن غير المعروف حتى الآن وجهتها المقبلة. وسط تكوّن قناعات متعددة بأنها لن تقف عند هذه الحدود، بل ستصل إلى إيران بشكل أو بآخر، إما عسكرياً أو سياسياً، تماماً كما كان الإسرائيليون يتحدثون تجاه لبنان عن الحلّ الديبلوماسي وتقديم تنازلات من قبل حزب الله عوضاً عن الحلّ العسكري الذي أصبح هو الأمر الواقع. السيناريو نفسه قابل لأن يتطور باتجاه إيران، كما أن سوريا لن تكون بعيدة، خصوصاً في ظل التسريبات الإسرائيلية بأن شرارة إطلاق المعركة العسكرية البرية ضد حزب الله كانت قد بدأت في إنزال مصياف. وهو إنزال قابل لأن يتكرر في لبنان، داخل مواقع وأنفاق.
التقط الإيرانيون المسعى الإسرائيلي وكلام الإسرائيليين المتكرر حول ضرب “رأس الأخطبوط” بدلاً من أذرعه. في أحد اجتماعات مجلس الأمن القومي الإيراني قبل أيام، كان اتجاه مرشد الجمهورية والحرس الثوري يركز على ضرورة اتخاذ قرار بالتصعيد ضد إسرائيل وإشعال جبهات متعددة ضدها، رداً على كل التمادي وكل الاستهدافات، ولتخويف الأميركيين من حرب إقليمية. اتخذ الإيرانيون قرار الردّ والتصعيد “لتفادي المزيد من التصعيد”. وهي قاعدة كان قد عمل بموجبها حزب الله سابقاً، لكنها لم تؤدي إلى النتيجة المطلوبة.
وصل الإيرانيون إلى قناعة بأنهم في حال لم ينفذوا الهجوم وردّ الاعتبار فإن الضربة الإسرائيلية ستأتيهم. قرأوا باغتيال نصرالله إشارة مباشرة إلى التمهيد لضربات أكبر. لذا قرروا توجيه ضربة أكثر قوة وإصابة، من ضربة منتصف نيسان الفائت.
بعض المعلومات التي تسّربت من طهران تشير إلى إخطار الأميركيين والروس بالضربة. فتم إبلاغ الإسرائيليين الذين يحضّرون للردّ. ولكن من غير المعروف إذا كان الردّ سيدفع إلى ردود متوالية تتدرج صعوداً نحو حرب إقليمية، أم ستعيد تصفير الحساب بين طهران وتل أبيب مقابل استئناف الإسرائيليين لعمليتهم العسكرية في لبنان والتفرغ له. علماً أن في لبنان وطهران وجهة نظر تعتبر أن الحرب لن تتوقف إلا بإلحاق أذى كبير بإسرائيل.
حسب ما تشير معطيات ديبلوماسية، فإن تل أبيب حصلت على الضوء الأخضر الأميركي في تنفيذ العملية لتحقيق أهدافها. أما كل الكلام عن عملية محدودة بكيلومترات ضئيلة فهو غير دقيق وغير حقيقي، لأنه لا أحد يعلم إلى أين سيصل الإسرائيليون، خصوصاً أن مجمل تحذيراتهم لسكان الجنوب تطالبهم بالخروج إلى شمال نهر الأولي. بعض المصادر الديبلوماسية الغربية تتحدث عن اتخاذ قرار كبير في تطويق إيران وإضعاف كل حلفائها عسكرياً.
خطة التوغّل
بالنسبة إلى التوغل البرّي الإسرائيلي، فله ثلاثة احتمالات. الأول، هو الدخول من القطاع الغربي أو الأوسط بشكل مباشر، لكنه السيناريو الأكثر ضعفاً. الثاني، هو الدخول من جهة الوزاني إلى مرجعيون وبعض القرى التي يعتبرها الإسرائيليون لا تتمتع ببنية عسكرية وقتالية كبيرة. والثالث، هو الدخول من القطاع الشرقي وما بين مزارع شبعا امتداداً من الجولان السوري وعبور بعض الأراضي السورية باتجاه البقاع الغربي، مع تنفيذ إنزالات باتجاه منطقة مثلث كفرحونة، للوصول إلى نقاط وجبال مرتفعة جداً، قادرة على كشف الجنوب والبقاع وإسرائيل. مثل هذه الجبال، ما يعرف بـ”تومات نيحا” و”جبل صافي”. وبذلك يكون الإسرائيليون قد عملوا على محاصرة الجنوب من البر لجهة الشرق، والشمال، في مقابل محاصرته من البحر من خلال البوارج. لا يمكن إغفال مسألة المناورات في العملية العسكرية التي يعتمدها الإسرائيليون، للإشغال وتشتيت القوى العسكرية لحزب الله.