سلايدات

أرانب نتنياهو المتعدّدة لنسف التّسوية

كتب د. وليد صافي في اساس ميديا

تتحدّث الصحافة الإسرائيلية عن انقسام بين المستوى السياسي في الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو الذي يحترف اختراع الشروط لنسف فرص إنهاء حروب الجبهات المتعدّدة. يقف إلى يمينه ومعه الرباعي المؤلّف من وزراء المالية والأمن والخارجية والدفاع، ويقف بوجهه وضدّه المستوى العسكري المتمثّل بالثلاثي رئيس أركان الجيش الإسرائيلي ورئيسَي الشاباك والموساد. فكيف ينظر الإسرائيليون إلى الوضع الحالي؟ وهل تسلك المسوّدة الأميركية – الإسرائيلية طريقها وتنتهي الحرب في جبهة الشمال، أم يسحب نتنياهو أرنباً جديداً ويعطّل التسوية؟

ينعكس التباين الكبير بين هذين المستويين، السياسي والعسكري، على جبهتَي غزة ولبنان، وما يدور في رأس نتنياهو من خطط بعيدة عن أهداف الحرب الحقيقية. إذ يرى قادة الأجهزة أنّ الإنجازات التي حقّقها الجيش الاسرائيلي على الجبهتين تنتظر استراتيجية سياسية تؤدّي إلى وقف الحرب وتحرير الرهائن وعودة سكّان الشمال إلى بيوتهم. التباين بين المستويين العسكري والسياسي ينسحب أيضاً على مجموعة من الجنرالات المتقاعدين الذين أعدّ باسمهم الجنرال غيورا آيلاند خطّة لشمال غزة تهدف إلى تهجير أكثر من 300 ألف غزّيّ ويطالبون اليوم الجيش بأن يوسّع عمليّاته في جنوب لبنان ويقيم منطقة عازلة لمنع عودة الحزب إلى الجنوب وتأمين شمال إسرائيل.

نتنياهو يريد “تجنيد”ترامب

لا يمكن فصل التسوية التي يحضّر لها على الجبهة الشمالية عن الوضع الذي يتحضّر له نتنياهو قبل وبعد جلوس الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب في البيت الأبيض. وفي هذا الإطار قيل الكثير عن أنّ نتنياهو لا يريد تقديم أيّ هديّة لإدارة الرئيس جو بايدن، لا قبل الانتخابات الرئاسية ولا بعدها، فهذه الإدارة تعدّ له بعض المفاجآت، سواء في توسيع العقوبات على المستوطنين أو احتمال عدم استخدام الفيتو في مجلس الأمن لتقييد المناورة البرّية في لبنان.

بالتأكيد ليس متوقّعاً أن يبقى نتنياهو غامضاً ومتشبّثاً برأيه وأن يناور مع صديقه ترامب كما فعل مع بايدن وإدارته. لكن ليس بالضرورة أن يقدّم له هدايا مجّانية، وأولويّته تبقى في الحفاظ على استقرار الائتلاف الحكومي الوحيد القادر على تمديد حياته السياسية، وإبعاد المقصلة القضائية عن رقبته.

بالطبع وصول ترامب إلى البيت الأبيض غيّر الكثير. كتب آموس هرئيل في صحيفة “هآرتس” مقالاً بعنوان: “الاتّجاه الذي يسعى إليه نتنياهو يتّضح. أمّا خطط ترامب فلا تزال ضبابية”. وقال: “مع انتصار ترامب في الانتخابات الرئاسية، يبدو أنّه توجد فرصة لإعادة ترتيب الأوراق في الشرق الأوسط، مع إمكان إنقاذ إسرائيل من حرب الاستنزاف المستمرّة التي دُفعت إليها في عدد كبير من الجبهات”. وأضاف آموس أنّ “نتنياهو مقتنع بأنّه قادر على تجنيد ترامب لتحقيق أهدافه، مثلما جرى سابقاً. لكن يبدو أنّ الرئيس الأميركي المنتخب، وكعادته، يبعث رسائل من الصعب فهمها منذ انتصاره يوم 5 تشرين الثاني. ويبدو أنّ الصورة ستتّضح فقط بعد دخوله البيت الأبيض يوم 20 كانون الثاني”.

فيما قال مايكل أورن في “يديعوت أحرونوت” إنّه “سيكون لعودة ترامب القريبة إلى المكتب البيضاوي تداعيات بعيدة المدى على إسرائيل، وعلى الشرق الأوسط. ويمكن أن يتحقّق العديد من الإنجازات الدبلوماسية إذا عرفت إسرائيل كيف تتصرّف بصدق وحكمة حياله. ويجب أن نأخذ في حسابنا مواقفه من عدد من الموضوعات، مثل إنهاء الحرب وتحقيق السلام. ويتعيّن علينا أن نسمح له بمساعدتنا، مثلما ساعد الرئيس الأميركي جيمي كارتر مناحيم بيغن عام 1979 في كامب ديفيد عندما وصلت محادثات السلام بين مصر وإسرائيل إلى حائط مسدود، في ضوء مطالبة الرئيس المصري أنور السادات باقتلاع المستوطنات اليهودية، مثل مستوطنة يميت، والانسحاب من سيناء بأكملها”.

التّسوية من موقع القوّة 

يرى مراقبون في إسرائيل ومنهم العديد من الصحافيين أنّ الجيش أنهى فعليّاً المهمّة المركزية في لبنان التي جرى تكليفه بها، وتتلخّص في تمشيط وهدم البنى التحتية في خطّ القرى الأوّل حتى مسافة 5 كيلومترات من الحدود مع إسرائيل، ويتقدّم الآن الجيش إلى الخطّ الثاني من القرى، وأنّ رئيس هيئة الأركان غير متشجّع لخطوة كهذه ستواجه برأيه مشكلتين:

  • الأولى هي الطقس الذي سيغدو أسوأ بسبب الشتاء القادم. وستكون هناك حاجة إلى تجنيد احتياط إضافي على الرغم من الشكاوى المتراكمة بشأن العبء الثقيل على نسبة قليلة جداً من المجتمع.
  • والثانية كما يرى رون بن يشاي في “يديعوت أحرونوت” أنّ الجيش يعمل حالياً من أجل التوصّل إلى اتفاق من موقع القوّة بتحقيق هدفين:
  • الأوّل استخدام الضغط العسكري من أجل الدفع قدماً بصيغة القرار 1701 بلاس. والزيادة هي منح الجيش الإسرائيلي الحقّ في فرض الاتّفاق بالقوّة، إذا لم يقُم الجيش اللبناني واليونيفيل بمهمّتهما.
  • والثاني هو إعداد الأرضيّة في لبنان “لليوم التالي”، الذي سيقوم فيه الجيش اللبناني وقوات اليونيفيل بمنع الوجود المسلّح للحزب في منطقة جنوبي الليطاني وغربه، خصوصاً في منطقة “قرى الانطلاق” الشيعية في الجانب اللبناني من الحدود، التي تحوّلت، في أغلبيّتها، إلى تحصينات ينطلق منها عناصر قوّة الرضوان نحو الأراضي الإسرائيلية. أمّا بالنسبة للحزب فيرى يشاي أنّه يحاول بواسطة حرب الاستنزاف، التي يخوضها حالياً ضدّ الجبهة الداخلية، منع الحكومة اللبنانية من تقديم تنازلات لإسرائيل والعمل على تليين الموقف الإسرائيلي، خصوصاً في ما يتعلّق بمسألة فرض نزع السلاح من منطقة التماسّ المحاذية للحدود، ومن جنوب الليطاني عموماً.

قلق نتنياهو: تماسك ائتلافه الحكوميّ

المسوّدة التي يجري التفاوض عليها مع الحزب ومن خلفه طهران، انطلقت بالأساس من مخاوف نتنياهو من أن تمتنع إدارة بايدن عن استخدام الفيتو في مجلس الأمن لمنعه من إصدار قرار يقيّد المناورة البرّية في لبنان.

بالطبع جاءت زيارة وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر لموسكو ولاحقاً لواشنطن للاجتماع بإدارة بايدن وفريق ترامب لإعداد مسوّدة الاتفاق على خلفيّة رغبة ترامب بإنهاء الحرب. ومن غير المستبعد حتى الآن أن يقدّم نتنياهو لترامب إنجازاً في الشمال لكن بشروطه، أي مع حرّية الحركة إذا انتهك الحزب الاتفاق، ومع مراقبة أميركية للحدود الشرقية مع سوريا، مقابل الاستمرار بخططه في قطاع غزة، لا سيما في شماله الذي يتهيّأ للسيطرة عليه عسكرياً لمدّة طويلة، ومقابل التحضير لضمّ الضفة الغربية وإعلان السيادة عليها بحسب ما صرّح وزير المالية بتسلئيل سموتريتش. لكن يبقى أحد شروط نتنياهو الضمنيّة لعدم عرقلة الاتفاق بعدما أظهر الحزب ومن خلفه طهران ليونة بالعديد من نصوص الاتفاق، ضمان الاستقرار في ائتلافه الحكومي.

على الرغم من التخبّط الذي يجري في الرباعي الحكومي بين تصريحات وزير الدفاع يسرائيل كاتس الذي أعلن بأنّ هدف العملية البرّية في لبنان هو تجريد الحزب من سلاحه، وبين تصريحات وزير المالية سموتريتش بإقامة منطقة عازلة كمقدّمة للاستيطان في الجنوب على غرار ما يخطّط له في شمال غزة، فإنّ الائتلاف الحكومي يبدو مستقرّاً بعدما تمكّن نتنياهو من ضمّ جدعون ساعر إلى الحكومة لتصبح مستندة إلى أكثرية 68 نائباً، وتعيينه وزيراً للخارجية، وإبعاد يوآف غالانت عن وزارة الدفاع وتعيين كاتس على رأس هذه الوزارة، وهو الذي تصفه الصحافة الإسرائيلية بأنّه “دمية” في يد نتنياهو. لكنّ الحذر مع نتنياهو يبدو واجباً من خلال تجاربه وخبرته في نسف كلّ الاتفاقيات التي عرضت من إدارة بايدن لإنهاء الحرب في غزة وتحرير الرهائن.

 

في الأمس وبحسب الصحافة الإسرائيلية قام نتنياهو بمناورة جديدة لتبريد أهالي الرهائن بأن أعلن جائزة بقيمة خمسة ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات عن كلّ رهينة. وهو ما يعني أنّ القصّة طويلة في غزة.

هناك حذر أيضاً ممّا يعاد طرحه في الصحافة الإسرائيلية حول جدوى الاتّفاق مع لبنان من دون فرض مسار التطبيع. إذ كتب عميت يغور قبل يومين في صحيفة يديعوت أحرونوت مقالاً بعنوان “تسوية عسكرية مع لبنان من دون تطبيع أو تغيير عميق ستقوّض إنجازات الجيش”. وتساءل الكاتب: “ألا تملك إسرائيل حالياً حرّية التحرّك في لبنان؟ فلماذا الوثيقة الموقّعة في هذا المجال؟ ألا يجب أن تكون هناك خطوات سياسية وبنيوية وتنظيمية واقتصادية يُطلب من لبنان تعهُّد القيام بها في إطار التسوية؟ هل إيران متضمّنة ومذكورة علناً في الاتفاق الذي سيوقَّع؟ وهل توقّف أحد وسأل لماذا أعطت إيران التسوية مباركتها؟ هل هناك إمكانية أنّ إيران تحاول حصر خسائرها، وهي التي صرّحت أخيراً فقط بأنّ طهران تدعو إلى الموافقة على وقف إطلاق النار على أساس القرار 1701 والانسحاب إلى ما وراء الليطاني، وأنّها ستواصل تأييدها للحزب، وستساعده على التعافي من الضربات القاسية التي تكبّدها؟ أولا تعتبر هذه التسوية، عمليّاً، تسوية من أجل ترميم الحزب؟ وماذا سيحدث لعناصر الحرس الثوري الموجودين في لبنان، وفي سورية التي تُعتبر أشبه بممرّ فيلادلفي الشمالي لترميم الحزب؟ وهل هناك نصّ صريح في الوثيقة يتضمّن كلاماً واضحاً يقضي بطرد الحرس الثوري من المنطقة خلال فترة زمنية قصيرة (نوع من إنذار)”؟

من الواضح أنّ هناك جوّاً عامّاً في إسرائيل يريد التسوية، لا سيما قادة الأجهزة الأمنيّة ورئيس الأركان الذي ينظر بحذر شديد ويدعو إلى عدم الغرق بالمستنقع اللبناني. لكنّ الحذر يبقى كبيراً من نتنياهو نفسه الذي يملك العديد من الأرانب لإحباط التسوية والتذرّع تارة بموقف سموتريتش وبن غفير، وطوراً بعدم تجاوب الاتفاق مع شروطه في حرّية الحركة ومراقبة إعادة تسليح الحزب، أو قد يتحجّج بعدم تحقيق العملية البرّية حتى الآن أهدافها، لا سيما أنّه يخوض الحرب مع الحزب بعنوان واضح: “إضعاف محور الممانعة لإضعاف إيران”.

فهل يناور ويستخدم هذه الأرانب ويستفيد من الوقت الباقي لوصول ترامب إلى البيت الأبيض لاستمرار إضعاف الحزب والضغط عليه عسكرياً؟ أم ينتظر ترامب ليقول له do it، فتكون الهديّة لصديقه وليس لبايدن الذي يجمع أوراقه للخروج بعدما رمى للعالم بقنبلة السماح لأوكرانيا باستهداف العمق الروسي بصواريخ أميركية؟

يبقى سؤال وجّهته الصحافة الإسرائيلية: هل تتحوّل الوثيقة الأميركية إلى وثيقة دولية أميركية، فرنسية، روسية، إسرائيلية ولبنانية؟

أمّا الأسئلة اللبنانية فهي: هل تكون هذه الحرب آخر حروب لبنان؟ وهل يشمل الاتفاق بالإضافة إلى النقاط الحدودية وآليّة تنفيذ القرار 1701 موضوع مزارع شبعا؟ أم تبقى هذه المنطقة “مسمار جحا” لكلّ من إيران وإسرائيل؟

لبنان والعالم بانتظار اجتماع هوكستين بنتنياهو لمعرفة الخيط الأبيض من الخيط الأسود.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى