بقلم/ مصطفى شهاب
في الحروب التي شهدها العالم على مر العصور؛ انقسم الغزاة بين لص طامع في الأرض وخيرات الأرض التي يغزوها، فحصر أهدافه وركز جهوده الحربية على تحقيقها والظفر بما جاء لأجله، وبين غاز سادي كل همه هو القتل والتدمير والتخريب، وسفك الدماء. هذا إذا استثنينا فئة الفاتحين لغايات نبيلة، سامية المقصد كالإسكندر المقدوني الذي لا تزال بعض آثاره العمرانية في البلاد التي فتحها تتحدث عنه، وكالفاتحين المسلمين حين نشروا الإسلام وعمروا البلاد التي فتحوها بنور العلم والعدل والمساواة. وهناك فئة أخرى هي الأسفل والأقذر، والأكثر إجراما لا شك، وأعني بها التي تجمع بين غايات السرقة والنهب إلى القتل والفتك والتدمير، وقتل كل مقومات الحياة، ووأد حضارة البلد المستهدف. مثل هذا التوصيف انطبق كليا على الغزو التتاري الذي قام به المغول بقيادة هولاكو من أقصى الشرق في آسيا وصولا إلى بغداد ودمشق، ونسبيا على الولايات المتحدة الأميركية في حربيها على العراق الشقيق 1991،2003، وما بينهما.
على أن هذا التوصيف للنمط الهمجي للحروب ينطبق أكثر ما ينطبق على الحرب التي تشنها منذ قرابة أربعة عشر شهرا دولة الكيان الصهيوني على الشعب الفلسطيني، خاصة في قطاع غزة، ومؤخرا على الشعب اللبناني الشقيق. فمن يتابع مجريات الأحداث يلحظ بكل جلاء أن الجيش الصهيوني ليس في حالة حرب محددة الملامح يستهدف فيها خصمه وقواته ومقدراته الحربية، بل كل ما يدب على الأرض من إنسان بغض النظر عن جنسه وعمره ودوره في الحياة، وحيوان ونبات. وتعدى الأمر إلى تدمير كل مقومات الحياة من عمران وبنى تحتية، وتدمير المدارس والجامعات والمستشفيات ودور العبادة من مساجد وكنائس، وكل ما يربط الشعبين الفلسطيني خاصة واللبناني أيضا بتاريخه وحضارته وإرثه العمراني الذي خلد وجوده على ثرى وطنه منذ آلاف السنين. ناهيك عن العبث بالشعبين والتلاعب بهما عبر إجبارهما على الترحال من بقعة إلى بقعة وإلى ثالثة ورابعة لغايات لم تخف على أحد، في سلسلة من الشواهد على التطهير العرقي، وحرب الإبادة التي لا يحتاج كل ذي عقل إلى إثباتها.
على أن موضوع هذه المقالة ليس هو إثبات همجية العدو التي بات يراها العالم بأسره، بل تبيان دوافع دولة الكيان الصهيوني في الهجوم على دور العلم والعبادة والمستشفيات والآثار الحضارية.
يزعم الإسرائيليون أنهم أقامو دولة في فلسطين انقسمت إلى مملكتي يهودا والسامرة بعد وفاة سليمان عليه السلام، وأن لهم هيكلاً في القدس في الموقع المقام عليه المسجد الأقصى. ظلت هذه الأكذوبة قائمة ومنطقية وقابلة للتصديق إلى عام 1967م حين تمكنت دولة الكيان من السيطرة على فلسطين كلها؛ بما فيها القدس الشريف، وأخذت منذ ذلك التاريخ تنقب وحتى عمق أربعين كيلو مترا تحت المسجد الأقصى دون أن تعثر على أثر واحد ينم عن حضارة يهودية ليس في القدس وحدها بل على امتداد فلسطين التي لا تزال شواهد الحضارات العربية واليونانية التي سبقت وجود كل أنبياء اليهود وحضارتهم المزعومة ماثلة للعيان إلى يومنا هذا؛ حيث لا توجد بلدة في فلسطين تخلو منها.
كل الحضارات على أرض فلسطين لها شواهدها إلا حضارتهم المزعومة!! يدرك ذلك حكام دولة الكيان، وهم، والشواهد كثيرة محبطون ومصابون بخيبة أمل على هذا الصعيد. ومن هنا جاء الانتقام من كل ما يمت إلى الحضارة الإنسانية الأوغل في العراقة للشعبين الفلسطيني الكنعاني العربي، واللبناني الفينيقي العربي، والفينيقيون هم جزء من الكنعانيين العرب الذين استوطنوا فلسطين قبل أكثر من سبعة آلاف عام؛ أي قبل ميلاد سيدنا يعقوب وأبنائه الأسباط بأكثر من ثلاثة آلاف عام. ويعقوب عليه السلام وأبنائه هم أحفاد سيدنا إبراهيم عليه السلام الذي جاء فلسطين لاجئا من العراق، وقد التحقوا بنبي الله يوسف عليه السلام في مصر وعاشوا وذريتهم من بني إسرائيل مئات السنين قبل أن يفروا منها وفقا لما ورد في القرآن الكريم من قصة موسى عليه السلام وفرعون ذي الأوتاد. هذا ما يجب أن يعرفه كل إنسان يُعنى بهذه القضية على هذه الأرض.
(إسرائيل) تسعى لطمس حضارتنا، وتثأر لافتقارها لأي شاهد حضاري يثبت جذورها على هذه الأرض، فتنتقم من الشجر والحجر، ومن الإنسان العربي الذي تمتد جذوره على ثرى هذين البلدين العربيين في فلسطين ولبنان لآلاف السنين قبل أن يخلق أي نبي من أنبياء بني إسرائيل. فهل وضحت الصورة. وباختصار: لو كانت لهم حضارة لتصرفوا بحضارة، فحتى القتال له أعرافٌ وفيه نبلٌ أين هم من إدراكه؟؟
21/11/2024م