
أعلن الجيش الإسرائيلي في يونيو الماضي عن تشغيل ما وصفه بـ”منشأة طبية ميدانية متنقلة” في قرية حضر، إحدى القرى الدرزية الواقعة في مرتفعات الجولان السورية، لتقديم خدمات طبية “لسكان المنطقة ولدعم أبناء الطائفة الدرزية في سوريا”، وفقًا لما صرّح به مصدر عسكري إسرائيلي لـBBC نيوز عربي.
وبحسب المصدر، فإن المنشأة تتكون من كرفان يضم عدة غرف وأجنحة تقدم خدمات طبية أولية، دون إجراء عمليات جراحية. كما أوضح أن الطاقم يضم طبيبة أمراض نساء وطبيب أسرة وطبيب أطفال، فيما يتم نقل المرضى الذين يعانون من حالات حرجة إلى داخل إسرائيل لتلقي العلاج قبل إعادتهم إلى قريتهم.
رغم ذلك، أكد أحد سكان القرية ويدعى أدهم (اسم مستعار) أنه لم يتم التنسيق المسبق مع مشايخ الطائفة الدرزية قبل بناء المشفى، وهو ما أقرّ به الجيش الإسرائيلي أيضًا. وأشار إلى أن “الدوافع كانت إنسانية” بالنظر إلى غياب أي مستشفى في قرية حضر، حيث يعمل فقط طبيبان لا يجريان عمليات جراحية، ولا توجد معامل أو مراكز تصوير طبي.
ويواجه سكان حضر تحديات صحية متزايدة، في ظل ما وصفه أدهم بتدهور أوضاع مستشفى الجولان الوطني الحكومي في محافظة القنيطرة، الذي بات شبه خالٍ من الأطباء والمعدات، ما يضطر السكان إلى شراء المستلزمات الطبية بأنفسهم أو السفر إلى العاصمة دمشق لإجراء العمليات.
من جانبه، قال محمد سعيد، مدير مديرية الإعلام في محافظة القنيطرة، إن ضعف المستشفيات في المنطقة يعود إلى “سياسات النظام السابق التي أدت إلى تهجير الكوادر الطبية”، مشيرًا إلى أن الحكومة الحالية تعمل على ترميم أقسام طبية وتوفير المعدات، في ظل نقص حاد في أعداد الأطباء.
قرية حضر، الواقعة عند سفوح جبل الشيخ في نطاق المنطقة العازلة القريبة من هضبة الجولان المحتلة، كانت في قلب تحركات عسكرية إسرائيلية أواخر عام 2024، في أعقاب سقوط نظام بشار الأسد. وقد أعلنت إسرائيل حينها دخولها إلى المنطقة العازلة “بناء على تقييم أمني”، الأمر الذي أدانته بعثة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك (أوندوف)، واعتبرته انتهاكًا لاتفاق وقف إطلاق النار الموقع عام 1974.
وفي تعليقه على إقامة المشفى، قال محمد سعيد إن “الحكومة السورية تدين أي تدخل إسرائيلي داخل أراضيها”، واعتبر إنشاء المشفى المتنقل “انتهاكًا صارخًا للسيادة السورية والقانون الدولي، ومحاولة لتبرير الوجود الإسرائيلي غير الشرعي في المنطقة”.
من جهته، قال مصدر عسكري في الجيش الإسرائيلي إن “إنشاء هذه المنشأة جاء استجابة مباشرة لنزوح عائلات من مدينة أشرفية صحنايا إلى قرية حضر، بعد اشتباكات تخللها قصف إسرائيلي”. وأكد أن المصابين من المدنيين توجهوا إلى مناطق انتشار الجيش طلبًا للمساعدة، مضيفًا أن “بناء المنشأة في حضر كان الخيار الأنسب لدعم المدنيين الدروز الفارين من القتال، خصوصًا في ظل وجود عائلاتهم على الجانبين”.
ووفقًا للجيش الإسرائيلي، فقد تلقى أكثر من 500 مدني سوري الرعاية الطبية في هذه المنشأة الميدانية حتى الآن.
وتبقى قضية هذا المشفى محل جدل، بين من يراه مبادرة إنسانية لسد الفراغ الطبي في قرية تعاني من غياب البنية الصحية، وبين من يعتبره أداة سياسية لتعزيز نفوذ إسرائيل في منطقة متنازع عليها، وسط غياب التنسيق مع الحكومة السورية أو الهيئات الدولية المعنية.