كتبت جوانا فرحات في المركزية :
على وقع الغارات الجوية التي ينفذها الجيش الإسرائيلي على مناطق الضاحية الجنوبية في بيروت وقد وصل عددها إلى 26 اليوم، وفي وقت تدوّي صفارات سيارات الدفاع المدني والصليب الأحمر اللبناني في زواريب الأحياء المدمرة بحثا عن جثث وجرحى وإنقاذ ما أمكن من تحت الركام، يأتيك خبرٌ وفق معلومات صحافية مفاده أن “من المتوقع أن يصدر رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بيانا يوافق فيه على الإتفاق الأميركي- الفرنسي بعد العاشرة مساء”.
مشهدية سوريالية بامتياز ولعلها تتجلى في أصوات زغاريد النازحين القابعين في مراكز الإيواء عند سماع الأخبار المتداولة عن توصل طرفي الحرب الإسرائيلي وحزب الله إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، وعلى مقلب آخر تصفيق وغناء لأرض الجنوب وبطولات المقاومة، في حين الجنوب يحترق بنيران الدبابات والغارات وتهدم بيوت وتسوى قرى بكاملها بالأرض بهدف تغيير جغرافية الأرض.
أسباب انقسام اللبنانيين بين مؤيد لوقف إطلاق النار ومعارض له على رغم الوجع والدمارعديدة، أولها عدم إطلاع مجلس الوزراء على بنود الإتفاق وعدم دعوة “الأخ الأكبر” نبيه بري لفتح أبواب المجلس والدعوة لعقد جلسة للتصويت على اتفاق وقف إطلاق النار. وكأن المطلوب”وقّع ثم اعترض”. فماذا تخفي بنود الإتفاق من شياطين وهل نحن حقا أمام اتفاق أم تسوية هدنة ما قبل الحرب المرجح أن تستعمل فيها إسرائيل الأسلحة المحظورة التي ستحصل عليها من إدارة الرئيس جو بايدن قبل مغادرته البيت الأبيض؟ وكيف يمكن تفسير هذه الغارات الهمجية على الضاحية الجنوبية والجنوب قبل ساعات معدودة من توقيع اتفاق وقف إطلاق النار… إذا تم؟.
“في شي غلط عم بيصير” يقول الكاتب والمحلل السياسي خالد عز الدين. فالقصف العنيف الذي تشهده الضاحية الجنوبية والجنوب ليس إلا دليلا على أن الإسرائيلي لن يوقف إطلاق النار على رغم الضغوطات الأميركية التي تمارس عليه. وفي حال وافق على التوقيع فلن يكون ذلك إلا على هدنة 60 يوما واستنساخا لنموذج غزة “.
واستطرادا يتابع عز الدين” عندما دخل حزب الله الحرب كان ذلك تحت عنوان “مساندة غزة”. اليوم وافق على فصل غزة كما جاء في كلمة نعيم قاسم الأمين العام الجديد للحزب. وهذه هزيمة للحزب ويجب الإعتراف بأنه خسر ورقة. أكثر من ذلك تهجر سكان الجنوب، ودُمرت منازلهم، وهناك أكثر من مليون و500 ألف نازح في المناطق اللبنانية الآمنة، والسؤال الذي يطرح في حال تم التوصل لوقف إطلاق النار ، هل ستسمح إسرائيل لسكان القرى والبلدات التي سوتها بالأرض بإعادة إعمارها؟ ألم يخطر في بال المعنيين أن منهجية التدمير الكامل تهدف إلى إعادة ترسيم حدود جغرافية جديدة ؟”في شي غلط” وأنا أخشى من أن تكون نية إسرائيل توريط الداخل اللبناني في حرب أهلية”.
هذه الخشية التي يتحدث عنها عز الدين مبنية على سلسلة وقائع تنطلق مما هو معلن في بنود الهدنة وفيها” نشر الجيش اللبناني على طول الحدود وتكليفه سحب سلاح المقاومة ومنع تسريب عناصر الحزب الأسلحة وانسحاب حزب الله إلى شمالي الليطاني…عظيم. لكن هل سيتمكن الجيش بما يملك اليوم من إمكانات بشرية وعتاد وسلاح أن ينشر حوالى 6000 عنصر؟ هل ثمة قرار سياسي يسمح له بسحب سلاح حزب الله ومنع عناصره من نقل السلاح في الداخل اللبناني وعبر الحدود الشرقية؟
ويضيف”في حال عدم تطبيق الشروط يسمح لإسرائيل بالتصدي والرد على أية خروقات .وهنا بيت القصيد. فالمواجهة في هذه الحال ستكون مع الجيش اللبناني كونه في الصفوف الأمامية وفي حال اعترض الحزب على أوامر الجيش سيكون الصدام الداخلي وهذا أقصى ما أخشاه لأن إسرائيل تكون نقلت الحرب من الحدود بين دولتين إلى حرب داخلية. هذا في حال لم يسلم حزب الله سلاحه. وأساسا عملية تسليم السلاح لن تكون بين ليلة وضحاها شرط أن يوافق الحزب على عملية الإنتقال من حزب عسكري مؤدلج إلى حزب سياسي”.
جملة أسئلة أيضا تطرح في حال بدأ الكلام عن مرحلة ما بعد الحرب: “هل سيقبل المسيحي بوضعية ما قبل 7 تشرين الأول 2023 وكذلك الأمر بالنسبة إلى السني والدرزي والشيعي المعارض؟”أخشى أن نكون اليوم على مسافة من حرب أهلية جديدة خصوصا أن الغارات التي تطال مباني سكنية بسبب وجود عناصر أمنية تابعة للحزب وقيادات الصف الثاني ستخلق حالة من الذعر لدى أبناء البيئة الحاضنة قد تصل إلى درجة منع إدخال أو تأجير أو إيواء النازحين الذين دُمرت بيوتهم. وبالمباشر يقول عز الدين” التوقيع على الإتفاق هو تنازل من قبل حزب الله ممثلا برئيس الحكومة والرئيس نبيه بري، لكن الحرب ستستمر لأن الحزب لن يقبل بتسليم سلاحه ويتحول إلى حزب سياسي”. وفي السياق يتساءل عن مدى تقبل البيئة الشيعية الخروج من هذه الحرب مكسورة ومهزومة. وماذا تعني موافقة إسرائيل التوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار مقابل حصولها على أسلحة محظورة من الولايات المتحدة؟ وهل يقبل الحزب أن تكون سماء لبنان وبره وبحره خاضعين لرقابة الجيش الإسرائيلي؟
ويختم عز الدين” الإتفاق إذا تم سيكون فاشلا لأن أياً من الحزب وإسرائيل لا يريد أن تتوقف هذه الحرب. وهدنة الـ60 يوما ليست إلا لرمي الكرة في ملعب الدولة اللبنانية فتكون لإسرائيل الحجة المقرونة بالوقائع لقصف مرافق الدولة في حال تم خرقها من قبل حزب الله. وما يمكن استخلاصه حتى الآن أن الأميركي والإسرائيلي أرادا من اتفاق وقف إطلاق النار رمي الكرة في الحضن اللبناني وضرب الجيش اللبناني لذلك أنا متشائم”.