كتب وليد صافي في اساس ميديا:
يعتقد المعسكر اليميني في إسرائيل أنّ فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية يمنحهم فرصة ذهبية لتنفيذ مخطّطاتهم في غزة ولبنان وإزالة تهديد إيران. وجهة نظر اليسار مختلفة لأنّه يرى تحدّيات تعيق تطابق جدول أعمال الطرفين.
إلى أيّ مدى تتطابق “أجندة” ترامب مع ما يفكّر فيه رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحلفاؤه في اليمين؟ وهل ينجرّ ترامب إلى تبنّي مخطّطات اليمين في غزة والضفّة؟ أم يجد تسوية بين تنفيذ وعوده الانتخابية وأهداف اليمين، فيجدّد طرح “صفقة القرن” ولو معدّلة، “ويجد لنفسه مكاناً في التاريخ” كما قال توماس فريدمان في “نيويورك تايمز”؟ وهل تنتصر عقليّة الـBusiness في العلاقة مع طهران، ويخسر نتنياهو الرهان على تغيير النظام؟
علاقة ترامب بنتنياهو نفعيّة
في مقالة نشرت في صحيفة هآرتس بعنوان “عودة ترامب لا تبشّر بالخير، حتى بالنسبة لليمين” كتب يائير غولان وتشاك فرايليخ: “بعكس الآراء السائدة، من غير المتوقّع أن تكون لدى إسرائيل فترة نعيم مع ترامب. والمجالات التي ستحظى بالاهتمام، من غير المؤكّد أنّها ستكون لمصلحة إسرائيل. والتزام ترامب حيال بنيامين نتنياهو هو نفعيّ في الأساس”.
أضاف: “من المتوقّع أن يعمل ترامب بحزم على إنهاء الحرب في غزة ولبنان، من دون الاهتمام بمصالح إسرائيل، من أجل إعادة الاستقرار إلى المنطقة وتقليل خطر الانجرار إلى الفوضى في الشرق الأوسط. وإذا اعتقد أنّ أمامه فرصة لتحقيق إنجاز شخصي، وهو اعتباره الوحيد، فمن الممكن أن يعود إلى “صفقة القرن” التي قدّمها قبل ذلك كحلٍّ للنزاع. لكن حتى صفقة كهذه ستضع نتنياهو في مواجهة مع الحكومة لأنّها تتضمّن فعليّاً “حلّ الدولتين”. أمّا السعوديون، فيمكن أن يروا في ذلك استجابة كافية لتحقيق مطالبهم بإقامة دولة فلسطينية مقابل التطبيع، وسيقوم ترامب بتفعيل ضغوط كبيرة جداً لقبول الصفقة التي سيرى فيها إنجازاً كبيراً جدّاً”.
طالبت الولايات المتحدة الأميركية منذ بداية الحرب بأن يعلن نتنياهو خطّته لليوم التالي. لكنّ الأخير رفض الحديث عن هذا الموضوع
هذه الخيارات المنتظرة من ترامب ستتأرجح لفترة على قواعد اللعبة التي يعمل نتنياهو على تثبيتها في غزة والضفة، وعلى توجّهات فريق عمله الذي يدين بولاء شخصي مطلق له والمؤيّد في الوقت ذاته لتوجّهات اليمين الإسرائيلي. من المحتمل أن يواجه هذا الفريق موقفاً يتعارض بين ولائه لترامب والولاء لإسرائيل، وبالتأكيد سينتصر الولاء لترامب. وجهة نظر اليسار في إسرائيل تبدو منطقية، إذ ليس بالضرورة أن تتطابق أجندة ترامب مع مخطّط اليمين.
نوايا نتنياهو لليوم التّالي تتكشّف
طالبت الولايات المتحدة الأميركية منذ بداية الحرب بأن يعلن نتنياهو خطّته لليوم التالي. لكنّ الأخير رفض الحديث عن هذا الموضوع وربطه باستمرار بهزيمة حماس. كان الجيش يطالب أيضاً بخطّة ما بعد الانتصار على حماس، معتبراً ذلك قراراً سياسياً من مسؤولية الحكومة. اليوم تتكشّف نوايا نتنياهو.
كتب “نداف إيال” في مقالته في “يديعوت أحرونوت” بعنوان “الخبث المطلق: هكذا تتقدّم إسرائيل نحو حُكْم عسكري في غزة”: “كثيرون يعتقدون أنّ إسرائيل لن تتمكّن من تشكيل سلطتها على القطاع، وهذا هو أساس النقاش. فالجيش الإسرائيلي والمنظومة الأمنيّة يعتقدان أنّ من يستطيع القيام بذلك هو إمّا “فتح”، وإمّا “حماس”، وإمّا إسرائيل، بينما يعتقد خبراء أنّ “فتح” ليست خياراً، والخيار هو بين “حماس” وحُكْم عسكري إسرائيلي”.
قال تامير هايمن، وهو ضابط احتياط في الجيش الإسرائيلي يشغل منصب مدير معهد دراسات الأمن القومي، في مقالة نشرت على موقع القناة العبرية N12 تحت عنوان “إسرائيل قررت: بقاء الجيش في غزة طوال الأعوام المقبلة”: “طوال فترة الحرب، تكرّرت التساؤلات عن استراتيجية الخروج من القتال مع “حماس”، وهل لدى الحكومة خطّة “لليوم التالي للحرب” في غزة؟ في الأسابيع الأخيرة، ومن خلال تحليل نشاط الجيش الإسرائيلي وطبيعة وجوده المستمرّ في قطاع غزة، بدأت الإجابة عن هذا السؤال تتّضح شيئاً فشيئاً. نعم، لدينا خطّة”.
فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية يمنحهم فرصة ذهبية لتنفيذ مخطّطاتهم في غزة ولبنان
تابع هايمن: “لكنّ الخطّة تثير مجموعة من التحدّيات والأسئلة التي يجب أن تُناقش بشكل علني، نظراً إلى آثارها الواسعة. باختصار: وفقاً للمسار الحالي، فإنّ الجيش الإسرائيلي لن يغادر غزة في الأعوام المقبلة. الواقع الأمنيّ الحالي في غزة سيرافقنا في المستقبل المنظور. لذلك من الضروريّ تعديل التوقّعات لدى الجمهور الذي يتطلّع العديد من أفراده إلى اليوم الذي تنتهي فيه الحرب ويعود الجنود من غزة. حسبما يبدو الآن، هذا لن يحدث. نحن في حالة “نهاية ممتدّة”. وهذا هو الوضع الثابت”.
ترامب وعقليّة الـBusiness
إمكانية تطابق أجندة ترامب مع جدول أعمال نتنياهو واليمين واردة، أي في وضع الضفة الغربية تحت السيادة الإسرائيلية، وممارسة سياسة “الضغط الأقصى” على إيران وإعطاء الضوء الأخضر لتدمير منشآتها النووية وربّما تغيير النظام. لكنّ ترامب الذي يُخضِع السياسة لعقليّة الـBusiness القائمة على مفهوم “الكلفة والعوائد”، والشراء والبيع، لن يجيّر من حسابه عوائد لنتنياهو كي يتوّج “بطلاً” في نظر اليهود الذين لم ينتخبوه، ولن يضحّي بعوائد “صفقة” مع إيران قد تكون عوائدها كبيرة على الأمن القومي والاقتصاد الأميركي، فتُسَجَّل له أنّه على طريق دفع إيران لاستنساخ تجربة فيتنام، إذ بعد سنوات من هزيمة الأميركيين وانسحابهم، تفتح لهم أسواقها للاستثمارات. مخطىء من يعتقد أنّ الأميركيين لا ينظرون بشغف إلى الفرص الاستثمارية التي تقدّمها أسواق إيران. ولماذا يتركونها للصين والأوروبيين؟
من الممكن أيضاً أن يدفع ترامب بصفقة على المستوى الفلسطيني ترضي المملكة العربية السعودية وتؤسّس لحلّ الدولتين. لكنّ ثمّة حقائق لا يمكن القفز فوقها:
1- إسرائيل ما بعد 7 أكتوبر، مختلفة جذرياً عن إسرائيل ما قبل هذا التاريخ.
2- غالبية الإسرائيليين مؤيّدون لتهجير الفلسطينيين ويرفضون حلّ الدولتين.
3- قيام المشروع الوطني الفلسطيني بعيد جدّاً.
4- الضفة مهدّدة بنموذج الجولان الجديد، والتغيير الجغرافي والديمغرافي الذي يقوم به الجيش الإسرائيلي في القطاع يهدّد بابتلاع شماله (لمراجعة خطة الجنرالات).
من الممكن أيضاً أن يدفع ترامب بصفقة على المستوى الفلسطيني ترضي المملكة العربية السعودية وتؤسّس لحلّ الدولتين
5- أفضل الشركاء الإسرائيليين المطروحين أمام ترامب (إذا نفض يديه من نتنياهو)، هو نفتالي بينيت الذي يتقدّم حزبه باستطلاعات الرأي والمعروف بنشاطه الاستيطاني ورفضه لحلّ الدولتين.
شمال اللّيطاني
أمّا في لبنان، مع موافقة حكومة نتنياهو على قرار وقف إطلاق النار، فإنّ الغموض لا يزال سيّد الموقف حول ملحقات الورقة الأميركية، وإن كان نتنياهو قد كشف عن بعضها فور الانتهاء من اجتماع حكومته. ولكن من الواضح أنّ التركيز الأميركي والإسرائيلي على تطبيق القرار 1701 جنوب نهر الليطاني هو أولويّة الأولويات.