كتب محيي الدين الشحيمي في اساس ميديا :
أُدرِجت زيارة المبعوث الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان للبنان في خانة الأكثر الأهمّية سياسياً والأشدّ حزماً رئاسياً، ولو أنّها في نفس إطار مهمّته الأساسية، فمحورها مساعدة لبنان مع دول الخماسية للوصول إلى توافق رئاسي لبناني. هذا مع العلم أنّ موعد الزيارة حُدّد خلال مؤتمر الدعم الفرنسي، وتُرك أمر إتمامها لبداية سريان عجلة وقف إطلاق النار.
ذوّبت “الخماسية” بسبب المستجدّات كلّ جهودها ضمن مروحة المجتمع الدولي في سبيل عدم تمدّد الحرب إلى لبنان، لكنّها لم تفلح. ثمّ انتقلت إلى الخطوة الثانية الأصعب، وهي السعي إلى وقف الحرب. أمّا الآن، وبعدما بدأت فترة وقف إطلاق النار، فقد دخل لبنان مرحلة جديدة. إنّه زمن الهدنة الاختبارية المؤقّتة الممتدّة إلى ستّين يوماً، وعادت الاستحقاقات اللبنانية الخالصة إلى الواجهة ورجعت المهمّات إلى طبيعتها الأصلية.
ثلاث أحقّيّات
تحمل هذه الزيارة في طيّاتها ثلاث أحقّيات هي:
1- انتخاب رئيس للجمهورية: عادت الخماسية إلى الخطوط الأمامية في متابعتها لمهمّتها الأصلية. وقد جاء تحديد رئيس المجلس النيابي نبيه بري موعد الجلسة الانتخابية في التاسع من الشهر الأوّل من السنة الجديدة بادرة خير لتلاقي الجهود الصديقة الدولية والمساعي الوطنية اللبنانية في منتصف الطريق.
تقدّم الخماسية نفسها بصفتها اللجنة الاستشارية المساعدة غير المقرّرة لأيّ استحقاق في لبنان. تنطلق وفق البيان الثلاثي المظلّل لمهامّها المحدّدة من ضرورة احترام التوازنات اللبنانية الدقيقة، تكريساً لمفهوم المساواة وعدم الغلبة. تحتكم في هذه الرؤية إلى النتيجة العمليّة والمزاجية التي أعلنها الشعب اللبناني في سياق الانتخابات البرلمانية.
تقرّ أنّ شرط احترام الدستور ووثيقة الوفاق الوطني – الطائف هو المدخل الأصلي لتمرير استحقاق رئاسة الجمهورية وكلّ استحقاق. وهذا يتحقّق عبر تثبيت مبادئ الصيغة اللبنانية المؤسّسة للكيان اللبناني المتوازن، ومنطق التوافقية الدستورية فقط.
تتناول مهمّة المبعوث الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان، إضافة إلى المساعدة في الوصول إلى تفاهم رئاسي مع الخماسية
2- دعم لبنان في الانتقال من مرحلة التعايش مع القرارات الدولية إلى مرحلة تطبيقها بطريقة صحيحة: بعد نهاية حرب تموز 2006 ولج لبنان مرحلة القرار 1701 الذي تمّ تطبيقه بطريقة منقوصة ومعيوبة بحكم قوى الأمر الواقع. استمرّ وجود السلاح غير الشرعي بحكم تحالف السلاح والفساد. وتابع الكيان الإسرائيلي خروقاته. أدّت هذه الممارسات إلى وقوع لبنان في فخّ حرب الإسناد والإشغال عبر “سلبطة” الحزب على قرار الحرب والسلم، وفرضه معادلات مخالِفة للدستور والقوانين والأعراف المرعيّة الإجراء.
دخل لبنان منذ 27 تشرين الثاني 2024 مرحلة جديدة. إنّها مرحلة التطبيق الصحيح والحرفيّ للقرار 1701 وكلّ القرارات المندرجة في متنه، وإن لم يتمّ إعلانها كتابة في سياق ورقة التسوية، حيث يتناسب تفعيل المواثيق الدولية على كلّ الأرض اللبنانية وليس فقط في منطقة جنوب الليطاني.
3- توفير لوجستيّات وإعانات كلّ المرحلة المقبلة: بدأت مرحلة الجيش اللبناني. هو الآمر الناهي في تطبيق السياسة الأمنيّة الحكومية في لبنان. يقع على عاتقه بسط الأمن والتنفيذ العمليّ لشعار سيطرة الدولة على كامل أراضيها، وتحقيق كامل نفوذها.
إذ ينظر الجيش الدولي إلى الجيش اللبناني على أنّه صاحب الشرعية اللبنانية الوطنية، الشريك الوحيد للشرعية الأممية الدولية المتمثّلة بقوى اليونيفيل، إذ يحسب الجيش واليونيفيل على أنّهما الذراعان الأمنيّان اللبناني والدولي المولجان العمل في منطقة جنوب الليطاني ضمن اللجنة الدولية.
ثلاث خطوات أساسيّة
لإنجاح هذا السياق، لا بدّ من ترسيخ ثلاث خطوات هي:
– بدء انتشار الجيش اللبناني في منطقة جنوب الليطاني. تحفيز المجتمع الدولي الجيش على أداء المهامّ الموكلة إليه يؤكّد بشكل دائم أنّه يمتلك كلّ الإمكانات المسهّلة لاستعادة الأمور.
– الشروع في زيادة عديد الجيش اللبناني وتسليحه بالعتاد والأسلحة المناسبة والضرورية، ومن المفترض تطويع بين سبعة آلاف وخمسة عشر ألف عنصر في بداية المرحلة.
– 1701 مهامّ اليونيفيل التي بدأت في تعديل عملياتها الاستقصائية المتلائمة مع الوضعية الجديدة ضمن مسلّمات القرار.
تقدّم الخماسية نفسها بصفتها اللجنة الاستشارية المساعدة غير المقرّرة لأيّ استحقاق في لبنان
تطبيق الـ1701
تتناول مهمّة المبعوث الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان، إضافة إلى المساعدة في الوصول إلى تفاهم رئاسي مع الخماسية، البحث في كيفية تطبيق القرار 1701. فلا تراجع عن ضمان السيادة الدستورية اللبنانية الشاملة على كلّ الجغرافية، جنوب الليطاني وشماله وصولاً إلى الحدود مع سوريا.
تشدّد فرنسا على طريقتين مختلفتين في تطبيق القرار 1701 تتلاءمان أكثر مع المراسيم الاشتراعية الدولية التنفيذية لورقة تسوية وقف إطلاق النار. تعتبر الخطّتين مكمّلتين لبعضهما في بلوغ النتيجة النهائية الجوهرية، وهي الوصول إلى حالة الاستقرار النهائي على الساحة اللبنانية.
بالتالي تنفيذ مفاعيل القرار 1701 في منطقة جنوب الليطاني بروحية الفصل السادس، لكن ضمن تطبيق الفصل السابع وبإشراف مباشر من اللجنة الدولية المنبثقة وبتعاون مع الجيش صاحب الكلمة الفصل على الأرض، في حين سيتمّ الانخراط في المرحلة الجديدة وتطبيق كلّ قراراتها، لا سيما القرارين 1559 و1680، تحت الفصل السادس كليّاً، وضمن منطق التعاون الكامل مع الشرعية اللبنانية، وكلّ متناسبات البيئة المحلّية اللبنانية.
تعوّل الإدارة الفرنسية على وجوبيّة سلوك درب الاستراتيجية الدفاعية بطريقة صريحة وحقيقية. تتلاقى مع مفاعيل القرارات الدولية على كامل الأراضي اللبنانية، حيث تعتبر حصريّة السلاح بيد المؤسّسات الأمنيّة الحكومية، أي الجيش اللبناني، أولويّة. ويتمّ التعاون لإنجاح هذه المهمّة مع الشرعيّتين الوطنية اللبنانية والأممية لتذويب الكتلة الوجودية لسلاح “الحزب”.
تشدّد فرنسا على طريقتين مختلفتين في تطبيق القرار 1701 تتلاءمان أكثر مع المراسيم الاشتراعية الدولية التنفيذية لورقة تسوية وقف إطلاق النار
لبنان إلى سابق تاريخه؟!
ترغب فرنسا في جعل هذه الظروف من لبنان دولة سيّدة، وأن يعود إلى سابق تاريخه المشرق، وأن يحترم دستوره الوطني ونظامه السياسي ومواثيقه الدولية. لا تريده أن يكون على الدوام ضحيّة المعارك والحروب. لا تريد أن يقع في فخّ التسويات الإقليمية والتحاربات عن الغير. ولا تودّه بلداً معزولاً. تجد الإدارة الفرنسية في قرار وقف الحرب ومرحلة الشهرين من الهدنة فرصة مؤاتية في سبيل تكريس دولة القانون والمؤسّسات.
ترى باريس أيضاً في دعوة الرئيس نبيه بري إلى جلسة انتخابية رئاسية بادرة خير تلوح في الأفق. تعتبرها الجلسة المدخل والأساس من أجل إعادة تكوين السلطة وانطلاق عجلة الدولة. فهل ينجح لبنان في الاستثمار الإيجابي؟ أم أنه سيستمرّ في تضييع المزيد من الفرص؟