
كتب وليد شقير في اساس ميديا:
تترك واشنطن لبنيامين نتنياهو أن يرسّخ سيطرة جيشه على ما بات معروفاً بأنّه شريط عازل يمتدّ من القنيطرة إلى جبل الشيخ وصولاً إلى دير العشائر التي يتقاسم لبنان وسوريا أراضيها نزولاً نحو الحافة الحدودية في جنوب لبنان، وصولاً إلى الناقورة. الهدف في لبنان إبقاء قدرتها على دخول قراها الذي شرّعه اتّفاق وقف النار في بنده الرابع الذي يعطّي إسرائيل “الحقّ الأصيل في الدفاع عن النفس”… أعطى الاتّفاق هذا الحقّ للبنان المهيض الجناح أيضاً. فلا الجيش قادر على ممارسته، ولا المقاومة (“الحزب”) يمكنها الردّ على الانتهاكات. يكفيها خسائرها الكبرى، والكارثة التي حلّت بجمهورها، وسقوط “وحدة الساحات”.
استبدلت الدول العربية الفاعلة باجتماع الجامعة آخرَ مصغّراً للّجنة الوزارية السداسية المنبثقة من قمّة جدّة 2023 في شأن سوريا
أُعطي هذا “الحقّ” للأقوى، أي إسرائيل. أمّا سوريا فمشغولة عن ردّ الاحتلال الجديد بانتقال السلطة.
الإدارة الأميركيّة للميدانَين
– تدير أميركا جبهتَي لبنان وسوريا مع إسرائيل. في الأولى من خلال رئاسة الجنرال الأميركي غاسبر جيفرز للجنة مراقبة اتّفاق وقف النار الخماسية. بدا أنّ تأخير اجتماعها من 27 تشرين الثاني إلى 10 كانون الأوّل جاء على وقع انتظار وصول الحملة العسكرية لـ”هيئة تحرير الشام” إلى دمشق. أي أنّ تنفيذ القرار الدولي 1701 يتوقّف على المعادلة التي ستستقرّ عليها سوريا. أمّا في سوريا فيتدخّل العسكريون الأميركيون لتنظيم السيطرة على مدينة منبج بين قوات “قسد” و”إدارة العمليات المشتركة” لمصلحة المعارضة، وكذلك السيطرة على مدينة دير الزور وتولّي “الهيئة” الحدود بين سوريا والعراق.
لا تقتصر أوجه التشابه في “مسار ومصير” البلدين على ما ذُكر أعلاه. حتى الفروقات في أحدهما تنعكس على الثاني. رموز الاحتلالات الأربعة في سوريا: إسرائيل، روسيا، تركيا وأميركا، ومعها التحالف الدولي ضدّ “داعش”، تُردّد بأنّ وجودها في بلاد الشام هو لمحاربة الإرهاب. أما الاحتلال الخامس الذي سُحبت قوّاته، لتأمل إيران الاحتفاظ بالمكاسب السياسية الاقتصادية التي حازها بتسهيل من بشار، ويقول مسؤولو طهران إنّهم مستعدّون لمساعدة سوريا على محاربة الإرهاب. والمرشد علي خامنئي قال: “مخطّطو أحداث سوريا لن يحقّقوا أهدافهم”… أي إنّ كلّ من هذه الدول يحجز لنفسه حجّة إفلات مجموعات إرهابية سبق أن وظّفتها في “داعش” وغيرها لتبرّر وجودها العسكري على الأرض السورية. وإذا قرّرت دولة ما الاستثمار في “داعش” فإنّ لبنان قد لا ينجو من ذلك.
تدرّج الدّور العربيّ: انتظار تراجع إيران
المواكبة العربية لاندفاعة المعارضة العسكرية بقيت محدودة بعدد من الدول، مثل الأردن وقطر (بتنسيق مع راعية التحرّك العسكري) ودول خليجية أخرى. فضّل قادة الدول المؤثّرة الإبقاء على مسافة من المجريات الميدانية، فتدرّج الاهتمام العربي كالآتي:
في سوريا تحتلّ إسرائيل جبل الشيخ والمنطقة العازلة (أكثر من 7 قرى) بين الجولان المحتلّ ومحافظة القنيطرة وتطرد سكّان قريتين
1- القمّة الخليجية في الكويت في 1 كانون الأوّل تجنّبت في بيانها التطرّق إلى معارك سوريا، حتى إنّ بعض التصريحات نفى بحث أزمتها، بعد مضيّ 3 أيام على انطلاق العملية العسكرية.
2- الدول الخليجية الرئيسة اقترحت إلغاء اجتماع الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية، الأحد الماضي في 8 كانون الأول. سبب التأجيل انتظار اتّضاح الوضع الميداني من جهة، والتشاور مع الدول الراعية للتحرّك العسكري، وتحديداً الولايات المتحدة وتركيا والأردن… وغيرها من جهة ثانية. فالجانب العربي كان يترقّب إضعاف الدور الإيراني في سوريا ولبنان.
اللّجنة السّداسيّة ورسالة ملك البحرين
3- استبدلت الدول العربية الفاعلة باجتماع الجامعة آخرَ مصغّراً للّجنة الوزارية السداسية المنبثقة من قمّة جدّة 2023 في شأن سوريا، يُعقد اليوم بدعوة من الأردن. وتضمّ اللجنة، إلى وزير خارجيّة الأردن، وزراء السعودية، مصر، العراق، لبنان والأمين العامّ للجامعة العربية. أمام اللجنة تحدّي المساهمة في رسم مستقبل سوريا بالعلاقة مع وزيرَي خارجية أميركا، تركيا، ممثّل الاتّحاد الأوروبي، والموفد الدولي غير بيدرسون، الذين ستجتمع بهم.
4- رافقت الدعوة، بعد زيارة أنتوني بلينكن عمّان، رسالة وجّهها ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة، بصفته رئيساً للقمّة العربية، إلى “القائد العامّ لغرفة التنسيق العسكري أحمد الشرع” (الجولاني سابقاً) في سوريا. وإذ وزّعت قيادة “إدارة العمليات العسكرية” نصّ الرسالة، فإنّها عبّرت عن “سعادة” الملك البحريني بلقاء “إدارة الشؤون السياسية” التابعة لحكومة الإنقاذ برئاسة محمد البشير السفراء المقيمين في دمشق، معتبرةً أنّها “سياسة حكيمة”. ونصّت الرسالة على الاستعداد “للتشاور المستمرّ معكم وتقديم الدعم في المنظّمات الإقليمية والدولية… ولاستعادة سوريا دورها الأصيل في الجامعة العربية”.
ليست مبالغة اعتبار أنّ الشعار، الذي ابتدعه حافظ الأسد في التسعينيات عن “وحدة المسار والمصير” بين لبنان وسوريا، ينطبق عليهما اليوم
اشتراط إخراج إسرائيل من سوريا
5- تزامن ذلك أوّل من أمس الخميس مع شكر “إدارة الشؤون السياسية” لحكومة الإنقاذ 8 دول على استئناف عمل بعثاتها الدبلوماسية في دمشق. هذا بالإضافة إلى زيارة وفد تركي رفيع ضمّ مدير المخابرات إبراهيم كالين.