كتب موفق حرب في اساس ميديا :
تواجِه الجمهورية الإسلامية الإيرانية مستقبلاً محفوفاً بالمخاطر، نتيجة الضربات العسكرية والمعنوية التي تلقّاها محورها، وآخرها سقوط نظام الأسد في سوريا. وتزداد وضوحاً المقارنات مع انهيار الاتحاد السوفياتي بعد هزيمته في أفغانستان. فقد كشف الانهيار العسكري والأيديولوجيّ للاتّحاد السوفياتي في أفغانستان عن ضعف عميق داخل نظامه، وهو ما أدّى في نهاية المطاف إلى انهياره.
بالمثل، فإنّ التوسّع الإقليمي والأيديولوجي المفرط لإيران في الشرق الأوسط، إلى جانب الضغوط الداخلية، يدفع النظام إلى مفترق طرق وجوديّ.
سياسة إيران الرئيسية المتمثّلة في تمويل ودعم ما يُعرف بـ”محور المقاومة”، مُنيت بخسائر كبيرة وبدأت تظهر عليها علامات الإنهيار. فقد تعرّض “الحزب”، الذي كان يُعتبر لفترة طويلة أكثر وكلاء إيران موثوقيّة، لتدهور كبير على الصعيد العسكري وصعيد المصداقية. إذ أنهكته مشاركته في النزاعات الإقليمية، خصوصاً في سوريا، فأضعفت قدراته ومكانته بين الحلفاء والخصوم على حدّ سواء، إضافة إلى اغتيال الأمين العام حسن نصرالله الذي كان رمز هذا المحور والقوّة الجاذبة لأنصاره.
سقوط الأسد هو حجر الزّاوية
جاء سقوط نظام الأسد الذي شكّل حجر الزاوية في الاستراتيجية الإقليمية لإيران، ليضاعف من المشاكل الأمنيّة والاستراتيجيّة لإيران. قد يشير هذا الانهيار في حلفاء رئيسيّين إلى ضعف أوسع في الهيمنة الإقليمية لإيران. وهذا التراجع، على غرار انسحاب السوفيات من أفغانستان، قد يجبر إيران على التراجع وإعادة التفكير في كيفيّة إدارة سياساتها التوسّعية المكلفة. وهذا ما عبّر عنه قائد الحرس الثوري الذي تحدّث عن ضرورة تغييرات في استراتيجيات إيران لدعم “المقاومة”، وهو المصطلح المعروف بأنّه يرمز إلى تصدير الثورة وتعزيز النفوذ الإيراني.
نظام الملالي في إيران قويّ، والحركة الإصلاحية قويّة على الرغم من عدم وجود قيادة بارزة لها. لكنّ رفع سقف المواجهات والفشل في تحقيق الإنجازات في ظلّ وضع اقتصادي سيّئ سيؤدّي حتماً إلى إحباطٍ في صفوف المناصرين وجرأة أكبر في صفوف المعارضة.
نظام الملالي قويّ، والحركة الإصلاحية قويّة على الرغم من عدم وجود قيادة بارزة لها
على الصعيد الاقتصادي، تواجه إيران ضغوطاً هائلة. فقد أضعفت العقوبات التي تقودها الولايات المتحدة الاقتصاد الإيراني، فحدّت من قدرتها على تمويل الوكلاء، أو الاستثمار في البنية التحتية، أو حتى توفير احتياجات شعبها. ومع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. يتصاعد هذا الضغط. فقد كانت مواقف ترامب المتشدّدة تجاه إيران سابقاً على وشك أن تؤدّي إلى انهيار اقتصادي، ورئاسته الجديدة قد تعيد إطلاق حملة “الضغط الأقصى” بزخم متجدّد.
تقدّم عمر المرشد
تُفاقم مسألة القيادة من تحدّيات إيران. فالمرشد الأعلى علي خامنئي، البالغ من العمر 86 عاماً، يمثّل العمود الفقري للنظام الثيوقراطي الإيراني. وعمره المتقدّم يثير أسئلة ملحّة حول الخلافة والاستقرار والإصلاح.
لطالما قاوم نظام خامنئي دعوات الإصلاح لعقود، مفضّلاً الحفاظ على نقاء أيديولوجي على حساب التغيير البراغماتي. ومع ذلك، قد تجبر الأزمات الحالية النظام على إعادة النظر في نهجه. هل يمكن لقيادة غارقة في الأيديولوجية الثورية أن تتكيّف مع متطلّبات الشباب الإيراني الأكثر عولمة؟ أم تتمسّك بسياسات قديمة تُعرّضها لخطر الانهيار الداخلي على غرار الاتحاد السوفياتي؟
مسار إيران يحمل أوجه تشابه صارخة مع الاتحاد السوفياتي في سنواته الأخيرة: التوسّع المفرط في الخارج، والانهيار الاقتصادي في الداخل، وقيادة مُسنّة وجامدة غير قادرة على التكيّف مع عالم سريع التغيّر. يشير تآكل نفوذها الإقليمي، إلى جانب الاضطرابات الداخلية والخنق الاقتصادي، إلى أنّ إيران تقترب من نقطة الانهيار.
يعتمد صمود النظام أمام هذه الضغوط على قدرته على التكيّف. فالفشل في الإصلاح، إلى جانب تصاعد التحدّيات الداخلية والخارجية، قد يؤدّي إلى انهيار دراماتيكي مشابه لانهيار الإمبراطورية السوفيتية. وهو احتمال سيُعيد تشكيل إيران والشرق الأوسط بأكمله.
مسار إيران يحمل أوجه تشابه صارخة مع الاتحاد السوفياتي في سنواته الأخيرة
دأبت الإدارات الأميركية المتعاقبة على تطمين إيران إلى أنّها لا تسعى إلى تغيير النظام، إنّما تركّز على سلوكها في دعم الإرهاب وبرنامجها النووي. لكنّ إسرائيل بعد “طوفان الأقصى” ومواجهتها العسكرية المتكرّرة مع طهران ووكلائها في المنطقة، قد تندفع إلى تبنّي سياسة تقويض النظام، مؤثّرةً إلى حدّ كبير في توجّهات ترامب الذي يسعى إلى صفقة مع إيران.
ترامب أقرب إلى نتنياهو إزاء إيران
إلّا أنّ بوادر ضعف وانهيار النظام قد تجعل ترامب أقرب إلى موقف إسرائيل وإلى أن يسعى إلى توجيه الضربة القاضية للنظام. رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي يقود الحملة لإقناع الدول الغربية بمواجهة إيران بحزم، يعلم أنّ التركيز على هذا التحدّي هو من الأسباب التي دفعته للقبول بوقف إطلاق النار مع “الحزب”.
قد يشكّل البرنامج النووي الإيراني التحدّي الأوّل لرئاسة ترامب حين يتسلّم مقاليد الحكم في 20 كانون الثاني المقبل. تقف إيران عند مفترق طرق، والقرارات التي ستتّخذها في السنوات أو ربّما الأشهر المقبلة ستحدّد ما إذا كانت ستتمكّن من تجاوز هذه العاصفة أو ستسقط ضحيّة العوامل نفسها التي أنهت الإمبراطورية السوفيتية.