مع انهيار النظام في سوريا، بدأت عملية دولية واسعة لتعقب ثروات عائلة الأسد التي تم جمعها على مدى أكثر من نصف قرن من الحكم، وتم حفظها على شكل أصول نقدية وعقارية.
وقد تمكنت عائلة الأسد، التي حكمت سوريا منذ عام 1970، من بناء شبكة واسعة من الاستثمارات في مختلف أنحاء العالم. بحسب تقرير لصحيفة “وول ستريت جورنال”.
وتضم ممتلكات العائلة عقارات فاخرة في روسيا، وفنادق في فيينا. وفقا لمسؤولين أميركيين سابقين ومحامين ومنظمات بحثية حققت في ثروات عائلة الأسد.
ومع اندلاع النزاع في سوريا، استغل أفراد العائلة فرصا جديدة لتقوية نفوذهم والرفع من حجم ثرواتهم، مستفيدين من سيطرتهم على الاقتصاد السوري وارتباطهم بشبكات تجارة المخدرات.
وتعتبر الصحيفة الأأميريكة، أن التحدي الأكبر يكمن في تعقب باقي الأصول المخبأة في دول متعددة، حيث تنشط فرق قانونية ومؤسسات حقوق الإنسان في محاولة لاستعادة هذه الأموال لصالح الشعب السوري.
وفي هذا السياق، يشير المحامون إلى أن العثور على هذه الأصول وتجميدها قد يستغرق وقتا طويلا، تماما كما حدث مع أنظمة سابقة في المنطقة.
تعقب الأصول
يقول محامون يعملون في مجال حقوق الإنسان، إنهم يخططون لتتبع المزيد من الأصول، على أمل استعادتها للشعب السوري.
وقال المسؤول السابق في البيت الأبيض أندرو تابلر، الذي حدد أصول أفراد عائلة الأسد أثناء العمل على العقوبات الأميركية على سوريا: “ستكون هناك عملية بحث عن أصول النظام على المستوى الدولي. كان لديهم الكثير من الوقت لغسيل أموالهم. هم الآن جاهزون جيدا للمنفى”.
وحسب “وول ستريت جورنال”، فقد استخدم الأسد الأب والابن، الأقارب لإخفاء الثروة في الخارج، في استراتيجية أدت إلى ثراء أفراد الأسرة لكنها تسبب أيضا في توترات داخلها.
تجميد
وبينما تشير تقديرات أن ثروات عائلة الأسد تتراوح بين مليار و12 مليار دولار، فإن المحققين في قضايا الفساد يعترفون بصعوبة تحديد الحجم الدقيق لهذه الثروة التي تم اكتسابها غالبا من خلال احتكارات الدولة وعمليات غسيل الأموال وشبكات الاتجار بالمخدرات وخاصة الأمفيتامين والكبتاغون.
ومع العقوبات الأميركية المفروضة على النظام السوري، والتي أجبرت العديد من رجال الأسد على إخفاء أموالهم في ملاذات ضريبية، نجحت فرق قانونية في تجميد بعض الأصول.
وفي عام 2019، جمدت محكمة فرنسية ممتلكات قيمتها 90 مليون يورو تخص رفعت الأسد، عم بشار والذي أشرف على حملة قمع للمعارضة عام 1982، بتهمة غسيل الأموال.
ماهر والمخدارات
وأدى اندلاع الحرب في سوريا عام 2011 إلى ظهور فرص جديدة لعائلة الأسد، فقد تولى ماهر الأسد، شقيق بشار الأصغر، قيادة الفرقة المدرعة الرابعة في سوريا، التي شاركت في تهريب الكبتاغون إلى بقية الشرق الأوسط، وفقا لواشنطن.
وحسب مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية، وهي منظمة بحثية عربية تتعقب تجارة الكبتاغون، ساعدت عائدات المخدرات النظام السوري لسنوات لتعويض خسائره من العقوبات الاقتصادية الغربية، حيث حققت متوسط ربح سنوي يبلغ حوالي 2.4 مليار دولار بين عامي 2020 و2022.
وانتشرت على منصات التواصل الاجتماعي فيديوهات لاكتشاف كميات كبيرة من الكبتاغون بعد سقوط نظام الأسد، بعضها في منشآت يسيطر عليها ماهر.
وبحسب مسؤول استخباراتي أوروبي سابق ومستشار للنظام السوري، بدأ ماهر الاستثمار في الخارج قبل الحرب، وشملت أصوله مزرعة شاي في الأرجنتين.
عائلة مخلوف في الواجهة
يؤكد أيمن عبد النور، وهو صديق الدراسة الجامعية لبشار الأسد، إن حافظ وضع صهره محمد مخلوف، الذي كان موظفا متواضعا في شركة طيران آنذاك، مسؤولا عن احتكار استيراد التبغ في البلاد.
وأضاف عبد النور، الذي كان في وقت لاحق مستشارا غير مدفوع الأجر لبشار الأسد، إن مخلوف كان يحصل على عمولات كبيرة في قطاع البناء المزدهر، وعندما خلف بشار والده كرئيس عام 2000، سلم مخلوف إمبراطورية الأعمال إلى ابنه رامي.
وفي وقت لاحق أصبح رامي مخلوف الممول الرئيسي للنظام بأصول في البنوك والإعلام والمتاجر المعفاة من الرسوم الجمركية وشركات الطيران والاتصالات، حيث بلغت ثروته ما يصل إلى 10 مليارات دولار، وفقا للخارجية الأميركية.
وقال رامي مخلوف في طلب للحصول على الجنسية النمساوية إن عائلته اشترت فنادق “بوتيك” بقيمة 20 مليون يورو في فيينا، وامتيازا مرتبطا بملهى راقٍ في باريس.
وبحسب تحقيق أجرته منظمة مكافحة الفساد جلوبال ويتنس عام 2019، فإن أفراد عائلة مخلوف يمتلكون أيضا عقارات بقيمة 40 مليون دولار تقريبا في ناطحات سحاب فاخرة في موسكو.
وفي عام 2008، فرضت واشنطن عقوبات على مخلوف بسبب استفادته من فساد مسؤولي النظام السوري، ومساعدتهم له.
نقطة تحول
وفي تحول لافت، انفجر الخلاف بين بشار الأسد وابن عمه رامي مخلوف في عام 2020، مما أدى إلى إعادة ترتيب الأوضاع الاقتصادية داخل النظام.
وذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” في وقت سابق أن مخلوف وُضع تحت الإقامة الجبرية، ووضعت السلطات السورية العديد من مصالحه التجارية تحت الحراسة القضائية.
وبعد هذا الخلاف، سيطرت تمكنت زوجة الرئيس السابق أسماء الأسد من السيطرة على أصول رامي داخل سوريا، بما في ذلك السيطرة على شركة اتصالات كبرى، وفقا لمستشار للنظام المنحل ودبلوماسي أوروبي.
وفي عام 2020، فرضت وزارة الخارجية عقوبات على أسماء الأسد، وقالت إنها وأفراد أسرتها أصبحوا من “أشهر المستفيدين من الحرب في سوريا”.