جاء في “الجريدة” الكويتية”:
تعب رئيس الوزراء السابق فؤاد السنيورة من النجوم التي وضعها على كتفيه، لكنه لا يتعب، تدرج في المناصب والمواقع وفي تجاربه السياسية من حركة القوميين العرب، وصولاً إلى المجلس الأعلى للعلاقات العربية، وما بينهما عمل وزيراً ورئيساً للحكومة، ورئيساً لأكبر كتلة نيابية في البرلمان، وخبيراً في الشؤون الحكومية وأنظمة الحكم الرشيد. لا يهدأ السنيورة، ولا يكلّ عن متابعة التطورات على الساحة العربية، في ذهنه حضور دائم للعمل حول إعادة بناء الدول الديموقراطية القائمة على مفهوم «المواطنة واحترام الإنسان»، يتحسّر ويتألم لما يجري في فلسطين، مشدداً على ضرورة بلورة مشروع عربي ضاغط في سبيل وقف الحرب وإفشال المشروع الإسرائيلي وإنشاء الدولة الفلسطينية الحرة المستقلة ذات السيادة. في لبنان لطالما أصدر توصيات ودراسات ومواقف وقدم مشاريع منذ كان وزيراً ورئيساً للحكومة ونائباً في مجلس النواب اللبناني لتفادي الانهيار المالي والاقتصادي ولمكافحة الفساد، ولتعزيز النمو والتنمية المناطقية في دولة فاعلة ورشيقة، هو لا يغيب عن متابعة الوضع السوري الذي يمكن أن يشكل فرصة لبناء دولة سورية مدنية ديموقراطية وإعادة بناء مشروع عربي يركز على الدولة الديموقراطية التي تحترم التنوع وحرية الرأي. وبحكم الجغرافيا السياسية التقت «الجريدة» السنيورة للوقوف على رأيه من التطورات السورية، وهذا نص المقابلة:
كيف تقيم ما جرى في سورية، وما رؤيتك للمستقبل؟
– ما شهدته سورية هو زلزال، يمكن وصفه بـ«هدم جدار برلين العربي». فنظام الأسد حوّل سورية إلى سجن كبير، ومارس ابتزازه على الكثير من الدول العربية، حيث اعتمد استراتيجية وأساليب زعزعة الاستقرار في دول الجوار، وأصبح أداة للابتزاز بهدف إدامة حكمه وسلطته، كما تسبب في نشوب حروب أهلية وقلاقل ومشكلات في لبنان، وكذلك في العراق، واستعمال العديد من المنظمات والفصائل الفلسطينية لممارسة سلطته على القضية، وتناوب هو والنظام الإيراني على استتباع تلك الفصائل.
هذا النظام كما غيره من الأنظمة الدكتاتورية ألحق أضراراً هائلة وعميقة بمنطقتنا العربية، وأهدر فرصاً وضيع أجيالاً كثيرة، وحال دون أن تواكب كثير من دولنا العربية حركة العصر لإحراز الرقي والتقدم والنهوض. سقوط الأسد هو مثال جديد على ضرورة العودة إلى أصول الحكم الديموقراطي المدني الصحيح في منطقتنا العربية، بعيداً عن العصبيات الدينية والطائفية والمذهبية، وتأكيداً على الحكم المدني المستوعب لكل المكونات الوطنية والعدالة في التعامل معها.
ما رأيك في هيئة تحرير الشام والاتهامات الموجهة لها بأنها إسلامية متطرفة؟
هذه المجموعة ومن يؤازرها هي التي تولّت، وذلك مع توفر الظروف المؤاتية لها، إنهاء نظام بشار الأسد، فهي قد تولّت إزاحة هذا النظام وينبغي عليها الآن أن تحرص على التصرف بحكمة وتبصر، وليس بأن يصار إلى استبدال حكم شمولي ظالم بآخر من النوع ذاته، أو القبول بالعودة إلى أساليب كان يعتمدها النظام البائد، وبالتالي يجب التنبه من ألا تتسبب في دعم مشروع أيديولوجي جديد بسورية، أو خدمة أجندات بالية سقطت مع سقوط الأسد. الآن لابد من المسارعة إلى ضبط الأمن وإنشاء إدارة مؤقتة متوافق عليها، وتأمين الخدمات العامة لجميع المواطنين.
لقد جرى تأليف حكومة مؤقتة لمعالجة القضايا الأمنية والمعيشية الداهمة للسوريين، وحسناً كان القرار في تأليف حكومة مؤقتة تستمر في الحكم حتى أول مارس المقبل، ولذا ينبغي اتباع أسلوب متزن يسهم في إرسال رسائل إيجابية للسوريين وللأشقاء العرب وللمجتمع الدولي لناحية سلمية عملية الانتقال من نظام حكم دكتاتوري إلى نظام حكم آخر من دون ارتكاب أعمال ثأرية أو انتقامية، وهذا يدعو إلى العمل الجاد من أجل إخراج سورية من الحالة المخيفة التي كانت تعيشها على مدى عدة عقود ماضية إلى أفق آخر إيجابي، وهو ما انتظرته سورية وانتظره السوريون عقوداً، وهي وهم بحاجة إليه. التحدي الآن أن تكون سورية دولة جميع السوريين، وأن يتم التصدي لجميع دعوات التجزئة والتقسيم والتفتيت.
ماذا عن الوضع العربي تجاه سورية؟
هناك حاجة ماسة إلى مبادرة سريعة لاحتضان سورية والسوريين. ولا بد من العمل على حماية المشروع السوري الجديد، بعيداً عن محاولات الاختطاف الأيديولوجي. أعتقد أنه ينبغي على الدول العربية، وعلى رأسها السعودية ومصر، التواصل مع المسؤولين في سورية الجديدة، ورسم قواعد التعامل الجديدة معها، والمساعدة وتقديم النصح السياسي لسلوك الطريق التي تؤدي إلى اعتماد أسلوب الدولة المدنية الحريصة على جميع مكوناتها الوطنية، والعمل من أجل الإسهام مع المجتمع الدولي من أجل إيقاف العدوان الإجرامي والاحتلالي الذي ترتكبه إسرائيل ضد سورية، وكذلك من أجل رفع العقوبات عن سورية الجديدة وفق صيغ قانونية نظامية تضمن عدم تكرار ما حدث.
وحسناً ما تشير إليه الأنباء بشأن عودة عدد من الدول العربية إلى إعادة فتح سفاراتها في دمشق، وحيث إنه من المفترض أن تكون هذه الحكومة السورية مؤقتة، وحيث يجب أن يكون هناك إطار زمني انتقالي لتحديد مسار نظام الحكم بسورية. ولا بد لسورية أن تستعيد علاقاتها المعززة مع الدول العربية.
يطلق البعض على ما جرى بأنه مخطط لتقويض نفوذ إيران في المنطقة، هل توافق؟
على إيران أن تعيد قراءتها وتقييمها للأمور ولهذه التحولات، وعليها بالتالي أن تعود لتكون دولة طبيعية في منطقة الشرق الأوسط، تحرص على تنمية مصالحها وتحترم مصلحة مواطنيها، وليس بأن تكون طرفاً يحاول أن يمد نفوذه لكي يسيطر على باقي الدول في المنطقة، وتبني علاقاتها مع الدول العربية على أساس الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية. لن تقبل الدول العربية ولا لبنان ولا أحد أن تستمر إيران في السيطرة عبر أذرعها ومن خلال اعتماد نظرية ولاية الفقيه العابرة للحدود السياسية على الدول العربية التي باتت تسيطر عليها الآن. وبناء عليه يجدر العمل على بناء علاقات ندية وجيدة مع إيران.
ماذا عن الاحتلال الإسرائيلي لمناطق في جنوب سورية وجنوب لبنان؟
تكشف إسرائيل باستمرار عن مشروعها التوسعي الاجرامي، وها هي الآن تقدم على التوسع وتحتل المناطق العازلة بينها وبين سورية في منطقة الجولان، وتتخذ قرارات بتوسيع الاستيطان في المناطق السورية المحتلة، ومن أجل ذلك، قامت بإلغاء اتفاقية فض الاشتباك الموقعة في عام 1974 من طرف واحد، وهذا يكشف مرة أخرى عن الوجه الحقيقي لإسرائيل، القائم على التوسع والإجرام والحؤول دون أي إمكانية لاعتماد الحلول السلمية في المستقبل.
هذا الأمر الخطير يقتضي من جميع الدول العربية، لاسيما مصر والأردن وسورية ولبنان، التنبه لما تشكله إسرائيل من أطماع وعدوانية من أجل أن يكون لها موقف موحد وسياسة موحدة للتصدي لإسرائيل، وللعودة إلى تنفيذ المبادرة العربية للسلام التي أقرتها القمة العربية التي عقدت في بيروت عام 2002.
وذلك يجب أن يترافق مع إعادة تعزيز منطق الدولة في لبنان وبنائها من خلال إعادة تشكيل السلطة وانتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة، للعمل في سبيل استعادة الثقة واستعادة العلاقات مع الدول العربية، وبناء برامج اقتصادية ومالية إصلاحية، تترافق مع حصر السلاح بيد الدولة.