سلايدات

جنبلاط أول الواصلين إلى سوريا “الجديدة”: مغادرة الماضي المرير

كتب منير الربيع في المدن:
خمسون عاماً من العلاقة “الصعبة” اللبنانية السورية طويت، بسقوط نظام الأسد، وبزيارة وليد جنبلاط إلى العاصمة السورية دمشق. زيارة حملت مضامين وعناوين كثيرة يمكن وصفها بأنها “تأسيسية”، لمستقبل جديد، خصوصاً في ضوء ما قاله قائد المرحلة السياسية الجديدة أحمد الشرع للوفد اللبناني. إذ قدّم مطالعة سياسية شاملة تتعلق بالوضع في سوريا، العلاقات السورية اللبنانية، والوضعين الإقليمي والدولي. بدا الشرع متماسكاً جداً في رؤيته السياسية وطروحاته، من تثبيت الدولة السورية، والحفاظ على خصوصيات كل مكوناتها، ربطاً بالعلاقات العربية والدولية. الخطاب الذي قدّمه أضفى ارتياحاً كبيراً لدى اللبنانيين الذين اعتبروا أن مرحلة جديدة ستفتح، تُبنى فيها أسس العلاقة المأمولة بين الدولتين.
نصيحة جنبلاط ومكابرة الأسد
عاد وليد جنبلاط إلى دمشق بعد 13 عاماً على آخر زيارة أجراها والتقى فيها مع بشار الأسد. في ذلك اللقاء، كان جنبلاط في غاية الجرأة والوضوح، خصوصاً أن اللقاء عقد يوم التاسع من حزيران 2011، بعد أشهر على اندلاع الثورة السورية. طلب جنبلاط الموعد في محاولة لتوجيه نصائح للأسد، بأن يكف عن استخدام العنف، ويتعاطى بمرونة وإيجابية مع التحركات الشعبية، وأن لا يتم وصف المتظاهرين بالمخربين، وأن يدخل في مسار سياسي يحسن وضع سوريا الداخلي والخارجي. لكن الأسد أخذ الكلام وبدأ بالحديث عن ما يقوم به لمواجهة “المؤامرة” وفق ما وصفها.

قاطعه جنبلاط قائلاً: “آتيك لنتحدث بصراحة وموضوعية”. أجابه الأسد:” تفضل”. فقال: “عليّ الأمان؟” أومأ الأسد إيجاباً ليكمل جنبلاط بالقول: “لا يمكنك أن تدير سوريا بهذه الطريقة، وحان الوقت للتخلي عن نظرية المؤامرة وعن العمل بالطريقة الأمنية والعسكرية ووقف القمع ومحاسبة المرتكبين. وسأسألك سؤالاً مباشراً من الذي يحكم سوريا اليوم؟” (قصد جنبلاط بالسؤال محاولة فهم الواقع بعد الكثير من التسريبات التي تحدثت عن صراعات وخلافات داخل عائلة الأسد وخصوصاً بين بشار وشقيقه ماهر). ليجيب الأسد سريعاً: “أنا أحكم سوريا، وقبل أيام كان لي لقاء مع وفد من نقابة الفنانين وأخبرتهم أنني أنا من يحكم سوريا ومن يتخذ القرارات، وأن لا يأخذوا بكل الشائعات التي تقوم جهات كثيرة بفبركتها”.
عندها سأل جنبلاط الأسد: “معقول أن يحصل لحمزة الخطيب ما حصل من تعذيب واقتلاع أظافره، ولا تقوم بمحاسبة أحد؟”. أجاب بشار: “زارني والده قبل فترة، وشرحت له ما جرى، ولم يتقدم أحد بشكوى كي تتم محاسبة أحد”. ليجيب جنبلاط: “ولكن عاطف نجيب ابن خالتك، وكان بإمكانك أن تحاسبه وتقيله”. وأكمل: “لا يمكنك أن تكمل بالحل الأمني والعسكري، أنا أخاف على سوريا وعلى مصيرها وعلى حرب كبيرة فيها وأخاف على وحدتها وحدودها”. فقال الأسد: “أنا رتبت كل الأمور بما فيها وضع الحدود بشكل كامل، وقد أطلقنا سراح الكثير من المساجين الذين نشرناهم على طول الحدود بأعداد كبيرة لضبطها”.

غادر جنبلاط سوريا يومها وهو في غاية التشاؤم، وقال لمرافقيه: “راحت سوريا.. سيدخلها بشار بحرب طويلة لا تبقى عند حدودها فقط”. بعد 13 عاماً على هذا الكلام، عاد جنبلاط إلى سوريا للقاء أحمد الشرع، وقال له إن هناك أملاً جديداً بسوريا للمستقبل، سوريا الموحدة والجامعة والعربية، والتي لديها علاقات ممتازة ومميزة مع لبنان وكل الدول العربية.

قبل كلام وليد لبشار إن سوريا لا تدار كذلك، كان كمال جنبلاط قد قال لحافظ الأسد “أرفض السجن الكبير”.. واستكمالاً للسجن الكبير خرجت مشاهد الفظائع من السجون السورية التي تحولت إلى مسالخ في عهد آل الأسد. تلك السجون التي طلب جنبلاط أن يتم تحويلها إلى متاحف لتحفظ الذاكرة السورية. أما الشرّع فأكد أن سوريا الجديدة ستعمل على إلغاء الذاكرة السورية السلبية تجاه اللبنانيين، وحريصة على بناء علاقات ممتازة بين الدولتين مع حفظ واحترام لسيادة لبنان.

مذكرة حول العلاقات الثنائية
سلّم الوفد اللبناني مذكرة شاملة حول العلاقات اللبنانية السورية والرؤية للمستقبل، وقد حصلت “المدن” على مضمون المذكرة التي تنص على أن يكون لبنان وسوريا:
– دولتان شقيقتان سيدتان، لا تتدخل أي دولة منهما بشؤون الدولة الأخرى.
– التشديد والحفاظ على وحدة سوريا بكل مكوناتها، وحسن الجوار مع لبنان.
– ترسيم الحدود البرية والبحرية.
– حل مشكلة مزارع شبعا.
– تعزيز العلاقات اللبنانية السورية وتفعيل عمل السفارتين.
– إعادة النظر بكل الاتفاقيات السابقة.
-إلغاء المجلس الأعلى اللبناني السوري.
-تشكيل لجان تعمل على كشف مصير المفقودين والمعتقلين.
ولجان للكشف عن السجون.

لمس الوفد اللبناني حرصاً لدى أحمد الشرع على حسن العلاقات، أما في الوضع السياسي الداخلي، فقد شدد الشرع على بناء سوريا جديدة تقطع مع كل ما كان سائداً في السابق من ممارسات نظام الأسد، الذي كان يشكل خطراً على الدول الصديقة والشقيقة. شدد الشرع على الشروع في وضع دستور جديد لبناء الدولة الجامعة والحفاظ على الخصوصيات وضمان شراكة مختلف المكونات السورية في صياغة المستقبل السياسي. أما شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز في لبنان، سامي أبي المنى، فقال: “إننا نلتزم بما قاله سلطان باشا الأطرش، بأن الدين لله والوطن للجميع”، فوافق الشرع مبتسماً، وقال: “جدّي كان صديقاً مقرباً جداً لسلطان باشا الأطرش في الثورة ضد الفرنسيين ونفيا معاً إلى الأردن”، وانطلق من هذا التذكير للتأكيد على ثوابته في رؤية سوريا الموحدة والجامعة في الداخل، وذات العلاقات المتوازنة مع مختلف الدول في الخارج، ولا سيما مع لبنان. إذ كرر أكثر من مرة الحرص على سيادته والتعاون في محاسبة المتورطين بدماء اللبنانيين، بالإضافة إلى تحسين العلاقات مع الدول العربية لمواجهة الأطماع الإسرائيلية.
قبيل اللقاء بين الشرع وجنبلاط كان السفير السعودي المعين حديثاً في دمشق قد وصل والتقى الشرع، وبعد اللقاء مع جنبلاط وصل وزير خارجية تركيا هاكان فيدان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى