سلايدات

إسرائيل المتوغِّلة في لبنان: معضلة “الحزب” بالردّ أو عدمه

كتب منير الربيع في المدن :
تفسيران سريعان للإصرار الإسرائيلي على رفع منسوب الاعتداءات والتوغلات في جنوب لبنان. الأول، يتصل بسعي إسرائيلي إلى نقض الاتفاق من أساسه، واستفزاز لبنان وحزب الله بالتحديد للردّ والعودة إلى اشتعال الحرب، لا سيما أنه بعد إبرام الاتفاق، تغيرت كل الوقائع في سوريا وحقق الجيش الإسرائيلي تقدماً واسعاً على طول عميق بموازاة الحدود مع لبنان، ما يتيح له فرض المزيد من الشروط وتغيير الوقائع. والثاني، يتصل بفرض نموذج إسرائيلي لآلية تطبيق الاتفاق بشكل يمتد إلى ما بعد الستين يوماً، أي أن يواصل الإسرائيليون توجيه الضربات، وعمليات التوغل، وتأخير الانسحاب من قرى الجنوب، ولا سيما قرى الشريط الحدودي التي أصبحت مدمرة بشكل كامل. لا يأبه الإسرائيليون لعمل لجنة المراقبة، ولا لنشاط قوات الطوارئ الدولية، ولا لأي اعتبار دولي. في المقابل، تبدو لجنة المراقبة عاجزة عن مواكبة ما يجري ومنع اتساعه.

التوغل والأنفاق
في الأسبوع الأول من العام الجديد يفترض أن تتم الدعوة إلى عقد اجتماع للجنة مراقبة تطبيق الاتفاق، على أن يحضره المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين، وسط تضارب في التقديرات، بين من يرى أن هوكشتاين يريد صيانة الاتفاق والضغط على اللبنانيين وحزب الله للانسحاب وتفكيك كل بناه العسكرية من جنوب نهر الليطاني.. وبين من يعتبر أن الأميركيين والإسرائيليين سيحملون الحزب مسؤولية “المناورة” وعدم الانسحاب وتفكيك المواقع العسكرية، لأجل تمديد مهلة بقاء الإسرائيليين في الجنوب إلى شهرين إضافيين. وهو أمر يرفضه لبنان وحزب الله.
وصل الإسرائيليون إلى مناطق لم يصلوها خلال الحرب والمواجهة، خصوصاً بالتوغل باتجاه بلدة القنطرة، أو وادي الحجير ووادي السلوقي، بالإضافة إلى توغلات سابقة حصلت باتجاه قرى على مجرى نهر الليطاني. هم يعتبرون أن هناك الكثير من المواقع ومخازن الأسلحة التي لم يتمكنوا من تفجيرها أو اكتشافها، وكذلك بالنسبة إلى الأنفاق. يتزامن ذلك مع معطيات يتبلغ بها لبنان بشكل أو بآخر، مفادها أن إسرائيل لا تثق بالإجراءات التي تقوم بها الدولة اللبنانية لأجل تفكيك البنى العسكرية لحزب الله، وانها هي التي تريد العمل على تفخيخ المواقع والأنفاق، وسحب السلاح، ومصادرته ونقله إلى إسرائيل، ولا تريد له أن يبقى في لبنان، لشكوك لديها بأن الحزب سيحتفظ به شمال نهر الليطاني.
الضغوط العسكرية
لا يبدو الإسرائيليون في وارد تقديم أي شكوى أو تقرير للجنة المراقبة. بل هم يتمسكون بهدفين، الأول عدم الانسحاب سريعاً من القرى التي دخلوها، ومواصلة عمليات التفخيخ والتفجير. والثاني مواصلة عمليات الاغتيال واستهداف السيارات على قاعدة انتقائية، هدفها إرعاب السكان لمنعهم من العودة، والتحكم بالأشخاص الذين سيعودون لاحقاً إلى قراهم. هناك إصرار إسرائيلي على التصرف بشكل منفرد بعيداً عن اللجنة. أما حالة الشكوى إلى اللجنة فستكون مرتبطة بأي نشاط يقوم به حزب الله لإعادة بناء بناه التحتية أو الأنفاق، وعندها سيعتبر الإسرائيليون أن انتهاء بناء الأنفاق يحتاج إلى ثلاثة أشهر بالحد الأدنى، ومع رصد بداية العمل سيتم تقديم شكوى إلى اللجنة، والتي بحال لم تتحرك، ستقدم إسرائيل على استهدافه لدى المشارفة على إنهاء بنائه فتدمره.
يمارس الإسرائيليون أقصى أنواع الضغوط العسكرية على حزب الله، وذلك برعاية أميركية، وما يسري على جنوب الليطاني يمكن أن ينطبق لاحقاً على شماله، وفق ما تقتضيه الظروف العسكرية والسياسية. في المقابل، فإن حزب الله يرفض أن يسري الاتفاق على شمال الليطاني، ويصر على التمسك بسلاحه. وهو يعتبر أنه أعطى المجال الكامل والمتاح لتطبيق الاتفاق ولكن إسرائيل لم تلتزم. لذا قد يجد نفسه أمام معادلة استعادة المواجهة، ما يعني تجدد الحرب. هذا ما يعتبره الإسرائيليون والأميركيون مناورة من قبل الحزب لعدم تسليم أسلحته، وسط تفسيرات متناقضة ومتضاربة للاتفاق. وطالما استمر هذا التضارب، فإن الوقائع العسكرية ستبقى على حالها.

فرض واقع جديد
عملياً، يحاول الإسرائيليون فرض واقع جديد، وهو حرية الحركة العسكرية والأمنية الكاملة في دول المشرق العربي، وصولاً إلى اليمن أيضاً، في ضوء التهديدات المستمرة حول تكثيف الضربات وتوسيع هامشها. من تبعات هذه الحرب ونتائجها، تقول إسرائيل إنها أسقطت كل منظومات الردع، وفتحت مرحلة جديدة، فيها نوع من السطوة على هذه الدول.
في لبنان ستمتد الاعتداءات الإسرائيلية إلى ما بعد مهلة الستين يوماً، مع ما يتضمن ذلك من محاولة لإحراج حزب الله أمام اللبنانيين، وأمام بيئته وجمهوره، بأنه في حال قرر الردّ والتصدي فإن الحرب ستستأنف، وفي حال عدم ردّه فسيبدو أكثر ضعفاً. وذلك لا يمكن أن ينفصل عن أي تطورات عسكرية تتصل بإيران، وبما قد تقدم عليه إسرائيل في المرحلة المقبلة، بعد العمل على إضعاف كل القوى المتحالفة مع طهران.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى