سلايدات

الشرق الأوسط الجديد على وقع «ضرب» إيران و«طوق» إسرائيل

إن النظر إلى سلسلة الأحداث المفصلية التي هزت الشرق الأوسط في السنوات الأخيرة يكشف بوضوح أنها لم تكن مجرد وقائع متفرقة نشأت في سياقات معزولة عن بعضها البعض، بل هي جزء من مشروع متكامل يهدف إلى إعادة صياغة التوازنات الإقليمية والدولية وتفكيك التحالفات التقليدية التي كانت قائمة منذ عقود طويلة. فمن اغتيال عماد مغنية، القائد العسكري البارز في حزب الله، إلى تفجير مرفأ بيروت الذي دمر العاصمة اللبنانية وترك بصمة دموية في تاريخها الحديث، مروراً باغتيال قاسم سليماني، العقل المدبر لسياسة إيران التوسعية في المنطقة، وصولاً إلى اتفاقات إبراهيمية كسرت الحواجز السياسية وأعادت تشكيل مفهوم السلام في الشرق الأوسط، كل هذه المحطات تشكل شبكة معقدة من الأحداث التي تخدم رؤية استراتيجية شاملة تهدف إلى إعادة رسم الخريطة

تحويل وحدة الساحات إلى وحدة الخسارات

ضمن هذا السياق، برزت استراتيجية جديدة تقوم على تحويل ما كانت تُعتبر ساحات نفوذ لمحور الإيراني إلى ساحات خسارات. هذه الخطة بدأت من غزة، حيث أدى القضاء على بنية حركة حماس التحتية واستهداف قياداتها إلى تقويض أحد أهم أدوات المحور الإيراني في فلسطين، وتحويل غزة من رمز للصمود إلى ساحة تتجسد فيها الهزائم. جنوب لبنان، الذي طالما شكل ركيزة أساسية لحزب الله، خسر موقعه الاستراتيجي مع تطبيق القرار 1701 وتجريد الحزب من قدرته على استخدام القرى الجنوبية كمنصة للمناورة الميدانية.

سوريا، بدورها، أصبحت على مشارف خسارة نظام الأسد، وهو تحول سيضعف بشكل جذري العمق الاستراتيجي لإيران. ومع الضغوط المتزايدة على الحوثيين في اليمن والحشد الشعبي في العراق، تكتمل ملامح هذه الخطة التي تهدف إلى محاصرة المحور الإيراني وتجريده من أدواته الإقليمية.

ضرب مراكز القيادة: خطوة لتفكيك المحور الإيراني

اغتيال شخصيات محورية مثل قاسم سليماني وعماد مغنية لم يكن مجرد استهداف أفراد، بل كان ضربة ممنهجة تهدف إلى شل قدرة المحور الإيراني على التخطيط والتنفيذ. سليماني، بصفته قائد فيلق القدس، لم يكن مجرد عسكري، بل كان رمزاً للنفوذ الإيراني في العراق وسوريا ولبنان واليمن، واغتياله مثل بداية النهاية لاستراتيجية إيران القائمة على التمدد عبر وكلائها الإقليميين. أما مغنية، فقد كان العقل الأمني الذي نسج خيوط العمليات الكبرى لحزب الله، واستهدافه كان رسالة واضحة مفادها أن خطوط إيران الحمراء لم تعد كذلك.

تفجير مرفأ بيروت: بين المأساة والغموض السياسي

تفجير مرفأ بيروت، الذي يُعد من أضخم الانفجارات غير النووية في التاريخ الحديث، لم يكن مجرد حادث عرضي ناجم عن الإهمال، بل حمل أبعاداً سياسية واقتصادية وأمنية عميقة. فالمرفأ الذي يمثل شرياناً اقتصادياً حيوياً للبنان كان يُستخدم أيضاً كممر لنقل الأسلحة والمعدات ضمن شبكة التهريب الإيرانية، واستهدافه يُمكن فهمه في سياق ضرب البنية اللوجستية التي يعتمد عليها حزب الله لتأمين استمراريته.

الاتفاقات الإبراهيمية: تحالفات تتجاوز السلام التقليدي

الاتفاقات الإبراهيمية التي وُقعت بين إسرائيل ودول عربية لم تكن مجرد معاهدات سلام تقليدية تهدف إلى إنهاء حالة الحرب، بل جاءت في سياق تحالفات استراتيجية تهدف إلى عزل إيران وإضعاف نفوذها. هذه الاتفاقات، التي جاءت مدفوعة بواقع جيوسياسي جديد، أبرزت تغيراً في الأولويات الإقليمية، حيث لم تعد القضية الفلسطينية هي المحور الوحيد للعلاقات العربية الإسرائيلية، بل أصبح الخطر الإيراني هو القاسم المشترك الذي يجمع الأطراف.

اغتيال قادة حزب الله وتصفيته عسكرياً: استهداف شامل

اغتيال الأمين العام لحزب الله وكامل قيادته العسكرية، بدءاً من قادة الوحدات العملياتية وصولاً إلى القيادات الاستخباراتية، شكل ضربة قاصمة للحزب الذي كان يُعتبر أحد أبرز أدوات إيران الإقليمية. هذه العملية لم تكن تهدف فقط إلى إضعاف الحزب عسكرياً، بل إلى إحداث فراغ في بنيته القيادية يُصعّب عليه التعافي. بالتوازي مع ذلك، خسارة الحزب للجنوب اللبناني وتطبيق القرار 1701 الذي يقضي بنزع سلاح الميليشيات ومنع أي وجود مسلح جنوب نهر الليطاني، جعلت من المقاومة التقليدية التي كان يعتمدها حزب الله خياراً غير متاح عملياً، مما وضعه في زاوية استراتيجية حرجة.

التوغل الإسرائيلي: السيطرة على مفاتيح المعركة

من ضمن التحركات الإسرائيلية الهادفة إلى تقويض محور الممانعة، برز التوغل في محافظة القنيطرة السورية كجزء من استراتيجية أوسع تشمل احتلال جبل حرمون (جبل الشيخ)، الذي يتمتع بأهمية استراتيجية فائقة كونه يطل على الحدود السورية-اللبنانية ويوفر لإسرائيل ميزة جغرافية تتيح لها السيطرة على محاور أساسية تؤدي إلى البقاع اللبناني. هذه الخطوة تمثل تحولاً خطيراً في قواعد الاشتباك، حيث باتت إسرائيل قادرة على تطويق حزب الله من الشمال والجنوب إذا تطلب الأمر ذلك، مما يهدد عملياً بقطع خطوط الإمداد بين الجنوب والبقاع الشمالي، ويعزز قدرة إسرائيل على التحكم بسير العمليات العسكرية في أي مواجهة مستقبلية.

إعادة صياغة المشهد السوري

سوريا، التي مثلت ركيزة أساسية في محور الممانعة، أصبحت اليوم ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية. إسقاط نظام الأسد لن يكون مجرد تغيير سياسي داخلي، بل سيمثل ضربة استراتيجية كبرى لإيران، التي استثمرت موارد هائلة لدعم الأسد وضمان بقائه. إخراج إيران من سوريا لن يعيد تشكيل المشهد السوري فحسب، بل سيؤثر بشكل كبير على قدرة إيران على التواصل مع حلفائها في لبنان وفلسطين، مما يجعل هذا السيناريو أحد أخطر التحديات التي تواجه طهران.

ضغوط متعددة الأوجه على إيران

اليوم، تواجه إيران مزيجاً من الضغوط الاقتصادية عبر العقوبات المتصاعدة، والضغوط الشعبية عبر التظاهرات المستمرة التي تعكس حالة الغضب الداخلي المتنامي، والضغوط العسكرية من خلال استهداف حلفائها الإقليميين. هذه الضغوط تضع إيران أمام خيارين لا ثالث لهما: إما الانخراط في مواجهة مباشرة مع دعم غير مضمون من الصين وروسيا، أو القبول بمسار تفاوضي غير متوازن قد يضعف مكانتها الإقليمية بشكل لا رجعة فيه.

ختام: الشرق الأوسط الجديد بين الحرب والتفاوض

من الواضح أن الشرق الأوسط يدخل مرحلة جديدة تتسم بإعادة ترتيب الأولويات والتحالفات، حيث أصبحت إيران في مركز العاصفة. إذا لم تتمكن طهران من التكيف مع هذه التغيرات وتقديم استراتيجية جديدة قادرة على مواجهة الضغوط، فإن المستقبل سيشهد تقلصاً كبيراً لنفوذها، وظهور قوى إقليمية جديدة قادرة على ملء الفراغ. المرحلة القادمة ستكون حاسمة، ليس فقط لإيران، بل لكل القوى الإقليمية والدولية التي تسعى إلى رسم ملامح الشرق الأوسط الجديد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى