كتبت أميرة حمادة :
بعيدًا عن الأروقة السياسية، تتزايد التوترات على الحدود الجنوبية للبنان، حيث يخيم شبح انهيار اتفاق وقف إطلاق النار المرتكز على التطبيق الفعلي للقرار 1701 .وبالتالي يفرض المشهد الأمني في الجنوب نفسه على الساحة، إذ يشهد تصعيدًا خطيرًا بين الجانبين، وسط تحركات تعكس نوايا استراتيجية متباينة.
تستمر إسرائيل في تنفيذ عمليات تجريف الأراضي وتدمير القرى الحدودية، في رسالة واضحة تهدف إلى منع عودة السكان الشيعة إلى مناطقهم. هذه الإجراءات تحمل دلالات على استراتيجية إسرائيلية ترمي إلى إحداث تغيير ديموغرافي طويل الأمد، بما يضمن لها تفوقًا أمنيًا وديموغرافيًا في المنطقة.
في المقابل، يُبقي حزب الله على وجوده العسكري جنوب نهر الليطاني، حيث لم يلتزم بسحب قواته أو تسليم منشآت عسكرية، ما يثير شكوكًا حول نواياه المستقبلية. تقارير الأجهزة الأمنية اللبنانية والدولية تؤكد استمرار الحزب في تعزيز وجوده بالمنطقة، مما يُبقي الأجواء مشحونة ويدفع نحو احتمالات تصعيد إضافية.
على الحدود اللبنانية السورية، تتحرك إسرائيل لتعزيز مواقعها العسكرية، وصولاً إلى منطقة راشيا، بهدف تأمين تفوق استراتيجي يتيح لها السيطرة في أي مواجهة محتملة. هذه التحركات تُظهر تصعيدًا في الأهداف الإسرائيلية، التي تمتد لتشمل محاور جديدة خارج إطار المواجهة التقليدية.
سيناريوهات مواجهة محتملة
في ظل هذه الأجواء المشحونة، تبدو احتمالية اندلاع مواجهة عسكرية على الحدود الجنوبية أمرًا متزايد الحضور في التوقعات. مراقبون يتوقعون أن يشهد الربع الأول من العام المقبل تصعيدًا دراماتيكيًا، مع طرح سيناريوهين اثنين رئيسيين على الساحة. السيناريو الأول يتمثل في مواجهة مباشرة بين حزب الله وإسرائيل، حيث يسعى كل طرف إلى تصفية الحسابات العسكرية والسياسية المتراكمة. هذه المواجهة قد تكون مدفوعة برغبة إسرائيلية في ضرب البنية التحتية للحزب وتقليم أظافره عسكريًا، أو برغبة الحزب في استعراض قوته الإقليمية في ظل ضغوط داخلية وخارجية.
أما السيناريو الثاني، فيدور حول تدخل دولي مُنظّم يهدف إلى نزع سلاح حزب الله، وذلك تنفيذًا للقرار 1559. هذا السيناريو قد يترافق مع إعادة تشكيل الوضع الأمني في لبنان، بما يشمل إعادة هيكلة المؤسسات العسكرية والأمنية للحد من نفوذ الحزب جنوبًا. ورغم أن تحقيق هذا السيناريو يبدو معقدًا، إلا أنه يبقى مطروحًا كخيار قد تلجأ إليه القوى الدولية والإقليمية لفرض الاستقرار.
وفي خضم هذا التراكم الخطير للتحديات والأزمات، يبرز السؤال المحوري: هل من سبيل للخروج من هذه الدوامة؟ الإجابة ليست بالسهلة، فالمصالح المتضاربة والتحالفات المعقدة في المنطقة تجعل من أي حل مستدام أمرًا شائكًا.
إن أي حل مستدام للأزمة يتطلب أولًا وقبل كل شيء إرادة سياسية جدية من جميع الأطراف المعنية، بدءًا من الدول الإقليمية وصولًا إلى المجتمع الدولي. يجب العمل على بناء منصة للحوار والتفاوض، تتيح للطرفين طرح رؤيتهما ومصالحهما، والبحث عن نقاط التلاقي.
كما يتطلب الأمر إعادة النظر في الأسس التي بني عليها اتفاق وقف إطلاق النار، وتحديثه بما يتناسب مع التطورات الميدانية والسياسية. يجب أن يشمل هذا التحديث آليات رصد وتحقق أكثر فاعلية، وضمانات دولية لتنفيذه.
أخيرًا، يجب على المجتمع الدولي أن يتحمل مسؤولياته كاملة في دفع عملية السلام في المنطقة، وأن يمارس ضغوطًا متوازنة على جميع الأطراف لإجبارها على التوصل إلى حل سلمي ودائم.
إن استمرار الوضع على ما هو عليه يشكل تهديدًا خطيرًا للاستقرار الإقليمي، وقد يؤدي إلى اندلاع حرب شاملة تترك تداعيات كارثية على المنطقة بأسرها. لذا، فإن الوقت قد حان للعمل الجاد من أجل إيجاد حل عادل ودائم لهذه الأزمة المستمرة.