كتب ألان سركيس في “نداء الوطن”:
تخلّص قصر بعبدا من الفراغ الرئاسي الذي دام أكثر من 26 شهراً، مع ما رافقه من تهويل بأن الرئيس ميشال عون سيكون الرئيس المسيحي الأخير في لبنان والشرق، لكن دخول الرئيس المنتخب العماد جوزاف عون إلى قصر بعبدا أعاد الأمل بأن الوجود المسيحي ثابت وراسخ وهو على رأس الهرم.
أحدث انتخاب جوزاف عون ارتياحاً وطنياً، وأتى بإجماع كبير بقي خارجه من اختار البقاء.
تنتظر الرئيس الجديد استحقاقات كبرى أبرزها إعادة هيبة الدولة وبسط سيادتها والانتهاء من زمن الميليشيات، وتطبيق الدستور والقرارات الدولية، وانقاذ لبنان الدولة.
عمل عون منذ دخوله المدرسة الحربية بمنظار وطني لا طائفي، هو المؤمن غير المتعصّب، لا يخجل بمسيحيته، لكنه يفضل الانتماء الوطني على الطائفي.
إذا كان عون أول رئيس ينتخب بعد سقوط نظام الأسد، وانهيار النفوذ الإيراني في لبنان والمنطقة، إلا أن انتخابه يشكل سابقة في جمهورية ما بعد الاستقلال. ابن بلدة العيشية الجزينية، أول رئيس ماروني ينتخب من الجنوب بعد 13 رئيساً للجمهورية، 10 من جبل لبنان، واثنان من الشمال ورئيس من البقاع.
كسر جوزاف عون القيود المناطقية، أعطى مسيحيي الجنوب هدية في زمن الصمود، صحيح أن بلدته في قضاء جزين التي كانت جزءاً من متصرفية جبل لبنان، لكنها أقرب إلى الشريط الحدودي منه إلى الجبل المسيحي، وشهدت على مجزرة في بداية الحرب بسبب انتمائها السياسي والديني.
وصل جوزاف عون إلى بعبدا وسط تأييد شعبي ونيابي مسيحي كبير، نال غطاء بكركي وانتخبه نحو خمسين نائباً مسيحياً بعد نيل أصوات كل من “القوات” و”الكتائب” و”الأحرار” و”المردة” وحركة “الاستقلال” و”اللقاء التشاوري المستقل”، وكوكبة كبيرة من النواب المسيحيين المستقلّين والتغييريين. حصل على شرعية نيابية مسيحية كبيرة ستشكل دافعاً للحكم، تضاف إلى التصويت النيابي الوطني من كل الطوائف والكتل.
مع دخول عون إلى قصر بعبدا، صفحة من الندب المسيحي على الدور والحضور يجب أن تطوى، الطوائف كلها مأزومة وما حل بشيعة لبنان نكبة تضاهي كل النكبات التاريخية، بينما عادت الجمهورية اللبنانية برأسها الماروني المسيحي وبغطاء عربي، وسقطت كل عناصر التخويف من الامتداد الأصولي، سقطت سطوة طهران على بيروت وتحررت دمشق، وعاد الرئيس المسيحي الوحيد في الشرق إلى مكانته على رأس الجمهورية اللبنانية.
المطلوب من الرئيس عون الكثير وطنياً، والمطلوب منه مسيحياً مصالحة المسيحيين مع الدولة، هذه المصالحة لم تتم في العهود السابقة التي تلت مرحلة “اتفاق الطائف”، لأن الدولة كانت تحت الاحتلال السوري ومن ثم تحت نفوذ “حزب الله”. ربما أكبر خدمة يقدمها عون إلى المسيحيين واللبنانيين هي بناء دولة قوية تملك وحدها حصرية السلاح، وتحمي الجميع، وتعيد وصل علاقات لبنان بالعرب والغرب، وتخرج البلد من عزلته.
الدعمان العربي والدولي يشكلان نقطة قوة للرئيس الجديد، وهذا ما يمنحه جواز عبور، ليؤكد أن المسيحي على رأس الدولة هو الحامي لسيادتها ومثال للديمقراطية والتطور والحضارة، فعصر الظلام الذي سيطر على لبنان كان بفعل وجود هيكل دولة يتبع الاحتلال، أما الآن فقد عاد الرئيس الذي يستطيع أن يصالح طائفته ويؤكد أن الرئيس المسيحي هو مصدر غنى لبلده وللمشرق، بفضل استقلاليته ونظرته الحديثة والتطويرية، وهو الضمانة للجميع.