
بهذا المعنى، يأمل الشعب اللبناني المنهك في أن يولّد انتخاب عون طاقة إيجابية، تعيد ضخ الدم في عروق البلد، واستنهاض مؤسساته، وإنقاذ اقتصاده، واستقطاب الاستثمارات اليه، وإعمار ما دمّره العدوان الاسرائيلي.
لكن، وإلى جانب كل ذلك، هناك من يرجح أن يؤدي انتخاب جوزاف عون أيضاً الى إطلاق دينامية جديدة في الساحة المسيحية التي كانت تسودها على نحو أساسي «ثنائية» «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية»، بحيث انّ الاحزاب الأخرى او الشخصيات المستقلة ستتنفس الصعداء وستتسع مساحتها في ظل وجود رئيس قوي، بعيد من نفوذ او تأثير القطبين المتعارف عليهما، «التيار» و»القوات».
وبناءً عليه، هناك من يعوّل على أن يؤدي وجود جوزاف عون في بعبدا إلى تعزيز التعددية السياسية في الوسط المسيحي، على حساب التخفيف من وطأة الحضور الطاغي للقوتين الكبيرتين، خصوصاً انّ من كانوا يعتبرون أنفسهم «مغبونين» سيجدون في وصول جوزاف عون إلى رئاسة الجمهورية فرصة لأخذ الروح والتقاط الأنفاس.
وما يعزز هذا الانطباع عند أصحابه، هو اقتناعهم بأنّ عون لن يكون رئيساً للجمهوربة وحسب، بل سيراكم مع مرور الوقت زعامة شعبية، خصوصاً في الوسط المسيحي، في اعتبار أنّ مجيئه إلى القصر من قيادة الجيش سيمنحه تلقائياً فرصة أن ينتزع حيزاً في الوجدان العام المسيحي الذي يتعاطف او يتفاعل «فطرياً» مع رموز المؤسسة العسكرية.
ولا تخفي اوساط مسيحية تتموضع خارج الاستقطاب «التياري» ـ «القواتي» تقديراتها بأن يؤمّن انتَخاب جوزاف عون البيئة المناسبة لكسر الحصرية الحزبية على الساحة المسيحية، وبالتالي اعادة رسم قواعد المنافسة السياسية داخلها بنحو مختلف.
ومن هنا، فإنّ القوى والشخصيات المسيحية التي لا تستظل بالبياضة او معراب ستكون الأكثر دعماً للعهد الجديد ودفاعاً عن خياراته الأساسية، وهو ما بدأت مؤشراته تظهر بوضوح من خلال مواقف بعض الأطر النيابية.
وتلفت الاوساط المسيحية إياها إلى انّ من عناصر قوة جوزاف عون انّه دخل إلى قصر بعبدا بزخم خطاب القَسَم الذي نجح في اجتذاب جزء واسع من الشرائح الشعبية، ومن بينها تلك المسيحية.
ووفق استنتاجات تلك الاوساط، فإنّ «القوات» تضرّرت من مجيء عون، أولاً لأنّ رئيسها سمير جعجع فَقَد فرصة لن تتكرّر مقوماتها للوصول إلى رئاسة الجمهورية. وثانياً، لأنّ الوهج المسيحي لجوزاف عون قد لا يساعده في تكبير حجم كتلة «القوات» في انتخابات 2026.
اما «التيار» فيواجه، وفق استنتاج تلك الاوساط، تحدّياً صعباً بدوره على صعيد تعزيز قاعدته الجماهيرية، إذ انّ أي اتساع في شعبية رئيس الجمهورية خلال فترة ولايته ربما يبدأ في الدرجة الأولى من الصحن البرتقالي، بفعل الرابط الوجداني الخاص بالمؤسسة العسكرية، فكيف اذا كان الرئيس السابق ميشال عون هو من اختار أصلاً جوزاف عون لتولّي قيادة الجيش، اي انّ الرجل كان محسوباً في الدرجة الأولى على «التيار الحر» قبل أن تؤدي أحداث حراك 17 تشرين إلى حصول خصومة بينهما.