
كتب مروان الأمين في نداء الوطن :
تثير مسألة تشكيل الحكومة تساؤلات عديدة في الأوساط السياسية وبين الناس، أبرزها ما إذا كان الثنائي “أمل – حزب الله” سيحتفظ بحقيبة وزارة المال، وما يعنيه ذلك من قدرة على التحكّم بمعظم القرارات الحكومية. وتساؤل آخر يطرح ذاته أيضاً، ولا يقلّ أهمية، حول احتمال قبول الرئيس المكلّف بحصريّة تمثيل المكوّن الشيعي بالثنائي، ما يُعطيه قدرة على التحكّم بمصير الحكومة من باب الميثاقية.
الإجابات على هذه التساؤلات قد تكون مؤشراً مهمّاً للمرحلة المقبلة، لا تقلّ أهمّية عن انتخاب العماد جوزاف عون رئيساً للجمهورية، أو خطاب القسم، أو تكليف القاضي نواف سلام.
هل ستكون هذه الإجابات امتداداً لمسار جديد يحمل الأمل للبنانيين، أم أنها ستعيد إنتاج الإحباط والنكسات مع انطلاقة العهد؟ نكسة قد تفوق في مفاعيلها إعادة تكليف الرئيس نجيب ميقاتي.
في هذا السياق، لطالما شكّلت المعارضة الشيعية رأس حربة في المعارك المفصلية منذ تسعينات القرن الماضي.
إذ تميّز المعارضون الشيعة بنقاء في الموقف، ومزاوجة بين الأخلاق في العمل السياسي والوضوح في الخيارات، ما جعل من هامشهم للمناورة السياسية يضيق حدّ الانعدام. هذا النقاء السياسي جعل منهم عنواناً للإشادة والإطراء في العلن وعلى الشاشات، وأضحية على طاولة التسويات في غرف الخبثاء المظلمة.
في مرحلة مواجهة الاحتلال السوري، برز دور لافت للراحل حبيب صادق، الذي أسّس مع آخرين “المنبر الديمقراطي” وترأسه. كان المنبر نظيراً وتوأماً لـ”لقاء قرنة شهوان” بين المسلمين، وفي طليعة القوى التي تصدّت للنظام الأمني اللبناني – السوري.
في العام 2005، تحت ذريعة إجراء الانتخابات، وجّه الحلفاء طعنة أولى للمعارضة الشيعية عبر ما عُرف بالاتفاق الرباعي، وثانية بحجة أخرى واهية عنوانها لبننة “حزب الله”، بحيث تمّ تسليم الثنائي زمام الدور والتمثيل السياسي بالكامل، مما عزّز هيمنته على كلّ المشهد الشيعي. أمّا المعارضة الشيعية، فقد جرى تهميشها بشكل منهجي، وحصروا حضورها بكلمة سنوية في ذكرى اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وكأنّها مجرّد عنصر مكمّل في مشهد ديكوري، لا أكثر.
إعادة إنتاج تجربة الماضي تحت مسمّى جديد، مثل “رفض كسر حزب الله”، تشكّل خطأً فادحاً من قبل الرئيس المكلّف والعهد، طعنة جديدة للتنوع داخل الطائفة الشيعية. صحيح أنّ أحداً لا يدعو إلى كسر “الحزب”، لكن من غير المقبول أن يستمر “الحزب”، من خلال تمسّكه بسلاحه، في كسر الدولة والشرعية، وتهشيم اتفاق الطائف والقرارات الدولية، وضرب هيبة القضاء والمؤسسات العسكرية والأمنية.
الرفض المعلن لكسر “حزب الله” لا يجب أن يعني الاستسلام لشروطه، خصوصاً في ما يتعلّق بتحكّمه منفرداً بمسار الحكومة عبر وزارة المال، وبمصيرها من باب الميثاقية.
والأهم، أنّ رفض كسر “حزب الله” لا يجب أن يأتي على حساب كسر المعارضة الشيعية، التي دفعت ثمناً باهظاً منذ مرحلة قوى 14 آذار والاتفاق الرباعي، لكنّها بقيت ثابتة على موقفها، وكانت حاضرة في جميع المحطّات الوطنية، من “ثورة 17 تشرين” وصولاً إلى انتخاب العماد جوزاف عون وتكليف القاضي نواف سلام.
إنّ تمثيل المعارضة الشيعية هو مسؤولية تاريخية تقع على عاتق الرئيس المكلّف. كما أنّ العمل من أجل تحقيق خطاب القسم وإنجاح العهد يحتّم عودة الجنوب والطائفة الشيعية إلى كنف الدولة. هذه العودة تبدأ بحماية التنوّع داخل الطائفة الشيعيّة عبر ضمان حقّ المعارضة الشيعيّة في التمثيل الحكومي، ورفض سلوك الثنائي الإقصائي والاستئثاري.