سلايدات

المستوزرون المتسلقون: عندما يتحول الطموح السياسي إلى رياضة وطنية!

كتبت أميرة حمادة: في لبنان، لا تخلو تشكيلات الحكومات من مفاجآت غريبة ومواقف فكاهية تليق بمسرحيات شكسبيرية بلمسة محلية. في الآونة الأخيرة، بات مفهوم “المستوزر” (الشخص الذي يطرح اسمه ليصبح وزيرًا) يشبه ظاهرة وطنية. ولأن لبنان دائمًا “سباق” في ابتكار كل ما هو غير مألوف، أصبح الطموح لتسلم حقيبة وزارية أشبه بمسابقة جماعية، حيث يتنافس الطامحون من جميع الاتجاهات، السياسية وغير السياسية، لإبراز أسمائهم، حتى لو كان ذلك يتعارض مع القوانين والأعراف.

لعلكم تتذكرون مشهد، موجود في الأفلام الكوميدية، حيث يتقدم الجميع للحصول على دور معين، حتى الشخص الذي لم يُطلب منه؟ هذا تمامًا ما يحدث مع المستوزرين اللبنانيين. القاعدة تقول: الوزير يُعيّن ولا يُنتخب. ومع ذلك، تجد الأسماء تُطرح وكأنها لائحة شرف، والمرشحين يصطفون كأنهم يتقدمون لسباق ماراثوني وهم يصرخون: “أنا الأفضل لهذا المنصب!”

لم يعد الأمر يتعلق بالكفاءة أو الخبرة، بل أصبح أشبه بحملة إعلانية. ترى بعض الأسماء مرفقة بسير ذاتية غنية (غالبًا مختلقة)، مضافًا إليها تصريحات رنانة يتناسون أن الحقيبة الوزارية ليست وظيفة تُقدّم لها طلب توظيف أو منافسة تُصوّت فيها الجماهير.

يبدو أن الإعلام اللبناني له دور مميز في هذا العرض المسرحي. وسائل الإعلام تغطي ترشيحات المستوزرين كما لو أنهم مرشحون للرئاسة. نتابع مقابلاتهم وكأننا أمام شخصيات تاريخية ستغير وجه لبنان. لكن ماذا يحدث بعد التعيين؟ غالبًا، لا شيء. تملأ المكاتب بأشخاص يتقنون فن التصريح دون التغيير.

في خضم هذا المشهد العبثي، يبرز سؤال مهم: هل يتصرف هؤلاء المستوزرون بهذا الشكل استخفافًا بالعهد ومفهوم الوزارة بحد ذاته؟ هل باتت فكرة الترشح لمنصب وزاري في لبنان أقرب إلى استعراض اجتماعي منها إلى مسؤولية وطنية؟ إن تحويل المناصب الوزارية إلى سوق علني للتسويق الشخصي لا يعكس فقط فهمًا مشوهًا للعمل العام، بل يشكل أيضًا إهانة لمفهوم الخدمة العامة الذي يقوم على الكفاءة والتكليف، وليس الترشح والترغيب. يبدو أن البعض لا يدرك أن الوزارة ليست منصة للاستهزاء بالمؤسسات أو لاستعراض الذات على حساب هيبة الدولة ومصالح الشعب.

تساؤلات للمستوزرين الجدد، هل قرأتم الدستور؟ الوزير يُعيّن. لا يترشح، ما الذي يجعل شخصًا بلا خبرة في قطاع معين يرى نفسه فجأة قائدًا فيه؟ هل هو إلهام أم توجيه إلهي؟، إذا كانت “المبادرة الوطنية” و”خدمة المواطن” هي دوافعكم الحقيقية، لماذا لا نراكم في مواقع العمل الاجتماعي أو البلدي قبل أن تصلوا إلى الوزارة؟

لبنان ليس بحاجة إلى المزيد من “المستوزرين”. نحن بحاجة إلى أشخاص يتقنون فن العمل الحقيقي بدل فن التصريحات. في بلد يرزح تحت ثقل الأزمات، ما نحتاجه هو وزراء يملكون الكفاءة والقدرة على اتخاذ قرارات شجاعة، لا أولئك الذين يزاحمون للوصول إلى كرسي وزاري لا يعرفون حتى كيفية الجلوس عليه.

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى