سلايدات

“المرحلة الجديدة”: الرّياض سياسياً… وإعجاب بعون وسلام والشّرع

كتب وليد شقير في اساس ميديا:

إحدى فوائد عدم الاستعجال في تأليف الحكومة، أنّ الوقت الفاصل مع ولادتها، فرصة ليتكيّف فرقاء لبنانيون مع المرحلة الجديدة. وهو أيضاً فرصة كي تتوالى مظاهر الرعاية الدولية والعربية لهذه المرحلة وفق شروط الحاضنة العربية لمساعدته على النهوض.

آخر مظاهر الرعاية للمرحلة الجديدة، كانت زيارة وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان أوّل من أمس لبيروت. وليست صدفة أن ينتقل بن فرحان إلى دمشق من بيروت. يعيد ذلك التذكير بما سبق لـ”أساس” أن أشارت إليه عن “توأمة” الرياض بين بيروت ودمشق في مقاربتها لنتائج التحوّلات الإقليمية.

 

لم يكن عن عبث أن عادت وسائل الإعلام إلى عام 2010 للتذكير بخروج السعودية من لبنان، في معرض الحديث عن عودتها إليه. هناك الكثير لقوله في سرد الوقائع. يكفي التذكير بالجهد الذي بذله العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز في حينه لترتيب العلاقة مع بشار الأسد إثر الخلاف على حرب 2006.

تراجع الدّور السّعوديّ من دمشق

فاجأ الملك عبدالله المشاركين في قمّة الكويت العربية مطلع 2009 بسعة صدره ودعا إلى المصالحة. أتبع ذلك في تموز 2010 بزيارة دمشق ليصطحب معه الأسد إلى بيروت من أجل قمّة ثلاثية مع الرئيس ميشال سليمان. وأعقب تلك القمّة مناخ تطبيع العلاقة بين دمشق والرياض الذي انعكس في لبنان تهدئة للصراع، الذي نجم عن اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري في 14 شباط 2005.

إلّا أنّ الواقعة وقعت حين أسقط “الحزب” بالتعاون مع الأسد حكومة سعد الحريري أثناء زيارته واشنطن للقاء الرئيس باراك أوباما. كان القرار في حينه إيرانيّاً – سوريّاً، على خلفيّة الخلاف على المحكمة الدولية الخاصّة بلبنان لكشف حقيقة اغتيال الحريري الأب. نجح ملالي طهران والأسد في جهود منع عودة سعد الحريري إلى رئاسة الحكومة. وكان ذلك إيذاناً بابتعاد الدور السعودي عن البلد.

يفترض بلبنان الإفادة من الانفتاح السعودي عليه من أجل طلب الضغط العربي على واشنطن كي تمارس نفوذها على تل أبيب

ترك الأمر خيبة أمل كبرى لدى الملك السعودي الذي راهن على قوى لبنانية، منها الرئيس نبيه بري، لتثبيت انتماء البلد للحاضنة العربية. وراهن على وعود الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد الذي استقبله عام 2010 في العاصمة السعودية لمعالجة الخلافات. لكنّ تغلغل المشروع الإيراني كان سبقه إلى دمشق، وعاكس كلّ المبادرات التي قام بها لمساعدة لبنان على تقوية الدولة في وجه الميليشيا.

شكّلت تلك الواقعة تعبيراً عن إحكام طهران قبضتها على لبنان ودمشق معاً. وكرّت سبحة الوقائع التي كرّست تلك القبضة وحوّلت بيروت إلى مركز لإدارة طهران تدخّلاتها في الإقليم وعداوتها الخبيثة للرياض.

خروج من البوّابة السّوريّة وعودة من البوّابة اللّبنانيّة

هل يمكن القول إنّ الدور السعودي يعود مطلع 2025 إلى دمشق من البوّابة اللبنانية، بعدما أُرغم على الخروج من لبنان من البوّابة السورية؟

لا بدّ من تسجيل القناعة اللبنانية الراسخة عند معظم الطيف السياسي اللبناني، بأنّ استعادة سوريا الاستقرار يريح لبنان إلى أقصى الدرجات. والبداية من قطع شريان المال والسلاح الإيراني عبر سوريا إلى لبنان. هذا على الرغم من مراهنة طهران غير المفهومة على إعادة وصل ما انقطع.

من الطبيعي أن تعود المملكة إلى لبنان بقوّة بعدما ضعف الدور الإيراني فيه من البوّابة السورية. فسقوط صاحب السياسات الهوجاء والقرارات الخرقاء بشّار، في بلاد الشام، أسقط معه انتفاخ الدور الإيراني في لبنان منذ ما قبل 2010. ورّط نفوذ طهران في دمشق “الحزب” في مغامرات غير محسوبة النتائج، بزخم التعبئة الغيبية والعقائدية المدعومة بالمال والعنجهية الفارسية. اقتضى الأمر إدخال معايير هجينة على مؤسّساته وتطويع أصول وطريقة الحكم فيه لتسهيل تلك المغامرات.

النتيجة ما تعرّض له “الحزب” وبيئته الشيعية ولبنان بأسره من خسائر كارثية، بدأت تنكشف قبل الحرب وتعاظمت بعدها.

فتحت الزيارة السعودية الباب لعودة خليجية بزيارة وزير الخارجية الكويتي عبدالله علي اليحيى والأمين العامّ لمجلس التعاون الخليجي

“الأسلوب الجديد” وعون ونوّاف سلام

فتحت الزيارة السعودية الباب لعودة خليجية بزيارة وزير الخارجية الكويتي عبدالله علي اليحيى والأمين العامّ لمجلس التعاون الخليجي جاسم محمد البديوي أمس.

إلّا أنّ عوامل كثيرة أخرى تفرضها التحوّلات الإقليمية ترتّب التكيّف مع المرحلة الجديدة لبنانيّاً. ويمكن تسجيل انطباعات بعض الأوساط الدبلوماسية في هذا السياق:

– مع اختلاف الظروف الداخلية والخارجية بين سوريا ولبنان، ليس صدفة أن نشهد نهجاً جديداً في كلّ منهما. فالإعجاب الذي تلاقيه لغة أحمد الشرع الانفتاحية وبعض رموز القيادة المؤقّتة، يظهر مثله في لغة ثنائي الرئيس جوزف عون والرئيس المكلّف نوّاف سلام.

السعودية

– بالإضافة إلى الارتياح العارم لخطاب القسم، يلاقي الرئيس سلام كلّ يوم المزيد من الإعجاب. فمعظم الطيف السياسي يمتدح سعة صدره ومبدئيّته وواقعيّته في مقاربته تشكيل الحكومة. أحد الذين أبدوا تأييدهم لأسلوبه في التعاطي مع العناوين الحسّاسة للتأليف، رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع الذي عبّر عن تفهّمه لاعتبار سلام أنّ الطائفة الشيعية مجروحة جرّاء الضربات الإسرائيلية وما جرى في سوريا، ولذا يمكن إعطاء حقيبة المال لوزير شيعي في التشكيلة الحكومية، على الرغم من رفضه أن تكون أيّ حقيبة حكراً على طائفة.

هذا على الرغم من الخصومة الشديدة بين “القوات” و”الحزب”. والحديث يجري على أن يسمّي سلام الوزير الذي تُسند إليه هذه الحقيبة. وهذا يوحي بالحاجة إلى تعاطٍ خلّاق وغير جامد للإفادة من التحوّلات الإقليمية لمصلحة البلد.

– إنّ قول سلام: “أنا من أشكّل الحكومة، وهذه مسؤوليّتي، لذلك قلت بالعودة إلى الدستور، وإذا كان ذلك أسلوباً جديداً فليكن…”، يعني أنّ الأسلوب الجديد في التأليف لن يتوقّف عند الطرق التي اعتُمدت في السنوات الماضية من هيمنة “الحزب” على استيلاد الحكومات، واستطراداً على القرار السياسي في السلطة. فلا بازارات تُخضع قيام الحكومة لتجاذبات لا طائل منها سوى تأخير إعادة تكوين السلطة، الذي من دونه لن يكون هناك استعداد لمساعدة البلد على النهوض، إعماريّاً واقتصادياً وماليّاً.

لم يكن عن عبث أن عادت وسائل الإعلام إلى عام 2010 للتذكير بخروج السعودية من لبنان، في معرض الحديث عن عودتها إليه

هل تراجع “الحزب” عن التهديد جنوباً؟

إذا كان من أهمّ التحدّيات التي تواجه البلد بدءاً من الغد، هو تأخير إسرائيل انسحابها من بعض مواقع الحافة الأمامية في الجنوب (في القطاع الشرقي) بانتهاء مهلة الستّين يوماً التي تكرّس انتشار الجيش وقوات “اليونيفيل” ووقف النار، فإنّ أوساطاً مراقبة ترصد ما إذا كان “الحزب” يبذل جهداً لمراجعة حساباته بعد المواجهة الضارية التي خاضها:

– “الحزب” تخلّى عن لغة التهديد بالعودة إلى الخيار العسكري التي لوّح بها في الأسبوعين الماضيين في حال بقاء الاحتلال في بضعة مواقع. فبعد التهديد بأنّ المقاومة ستتصرّف في هذه الحال جاء بيان “الحزب” أوّل من أمس ليضع مسألة بقاء الاحتلال في عهدة الدولة. إذ اعتبر أنّ “دخول الاحتلال فصلاً جديداً يستوجب التعاطي معه من قبل الدولة بكلّ الوسائل والأساليب التي كفلتها المواثيق الدولية بفصولها كافّة لاستعادة الأرض وانتزاعها من براثن الاحتلال”. فليس من عادة “الحزب” أن يركن إلى “المواثيق الدولية” التي كانت قيادته تهزأ منها.

تفادي الاستدراج والإفادة من الضّغط السّعوديّ

– تشير وسائل إعلام إسرائيلية إلى خشية من ضغط أميركي محتمل في المرحلة المقبلة على إسرائيل كي تنسحب. في المقابل يحذّر مراقبون من أن ينزلق “الحزب” إلى أيّ خطأ في الحسابات العسكرية حيال استمرار الجيش الإسرائيلي في بعض المواقع. فهدف حكومة بنيامين نتنياهو استدراج “الحزب” لمواجهة عسكرية تحجب الأنظار عمّا تقوم به من توغّلات في الضفة الغربية على غرار ما فعلته في غزة.

إقرأ أيضاً: تحرّك الرّياض: سقف الطّائف… وقَرْن الأقوال بالأفعال

– يفترض بلبنان الإفادة من الانفتاح السعودي عليه من أجل طلب الضغط العربي على واشنطن كي تمارس نفوذها على تل أبيب كي تنفّذ اتّفاق وقف النار. فالعلاقة السعودية الأميركية في ظلّ رئاسة دونالد ترامب تتّجه نحو المزيد من التطور، بما يمكّن للبنان من أن يوظّفها لمصلحته.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى