
كتب مصطفى شهاب :
السيد الرئيس دونالد ترامب. أهنئك أولا بفوزك التاريخي المستحق بتولي رئاسة الولايات المتحدة الأميركية، البلد الأقوى والأعظم والأهم في العالم،
وأكتب إليك مستلهما ما طرحته من شعارات كبيرة، ورؤى هامة تتخطى الداخل الأميركي إلى السلم العالمي، ورغبتك في وقف الحروب وإحلال السلام في العالم، علَّك بذلك تُخلِّد اسمك كرجل سلام ينال جائزة نوبل للسلام، وهذا أمر من حقك أن تحلم به. كما أنك كرجل وطني أميركي، تريد منع الهجرة غير الشرعية إلى (بلدك) التي تتولى رئاستها حاليا. والحق أن كِلا الرغبتين مشروعتان لا شك، ومن حقك أن تحلم بهما. ونحن كفلسطينيين وكعرب لا نختلف مع تطلعاتك هذه بل نؤيدها بكل ما في الكون من شفافية وصدق؛ فهل يرفض عاقل في الدنيا إحلال السلام، او حتى مسألة تنظيم الهجرة التي لا شك بحاجة ماسة إلى أن تنظم في إطار رؤية إنسانية واجتماعية ووطنية أيضا. فالحق في أي وطن، -ولا أشك أنك توافقني- هو لأهله، كما هو حال كل بيت لأصحابه، فلا يجب ترك الحدود مشرعة لكل من هب ودب؛ فما وضعت هذه الحدود إلا لتحترم، مع أن أكثر هذه الحدود رسمتها القوى الاستعمارية في المئتي سنة الماضيتين لنوايا لم تكن دائماً سليمة.
السيد الرئيس. تريد تحقيق السلام في العالم؟ هذا أمر جيد لا شك. لكن برأيك كيف يمكن أن يتحقق السلام دون النظر إلى جوهر القضايا ومظام الشعوب، وإعادة الحقوق إلى أصحابها؟
لا شك أنك تعلم أيها الرئيس أن كل حرب تضم طرفين، وأنه لا بد في كل حرب من طرف ظالم باغ وآخر مظلوم، فهل يمكنك أن تدعي إرساء سلام بمجرد وقف الحرب دون ردع الظالم ووقفه عند حده وإنصاف المظلوم؟ وهذا يجب أن يتم في إطار المفهوم الإلاهي -وانت رجل مؤمن-، وكذلك المفهوم الإنساني للعدالة البعيدة عن المصالح ومطامع الدول الأقوى في الدول الأضعف.
يا فخامة الرئيس: قال لنا رسولنا الكريم محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم في حديث شريف: انصر أخاك ظالما أو مظلوما. فقال له أحد صحابته: ننصره مظلوما، فكيف ننصره ظالما؟ قال: تمنعه من الظلم، فإن ذلك نصرُه. أرأيت كيف نفكر كمسلمين؟ هذا هو فهمنا لتحقيق العدالة بين الناس. ولا شك أن ما ينطبق على الأفراد ينطبق بدوره على الدول. فهل من عدالة تتحقق؟ وهل من سلام يعمُّ دون إرجاع الحقوق لأصحابها؟ أضع هذه التساؤلات بين يديك السيد الرئيس في الوقت الذي تقرر تزويد إسرائيل بقنابل تزيد عن مئتي رطل لتقوم بقتل الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة. فعن أي سلم عالمي تتحدث، وعن أي هجرة غير شرعية تريد أن تحارب؟ هل تنطبق الهجرة غير الشرعية على جيرانك المكسيكيين وأنت تحتل من بلادهم ضعف مساحتها في ولايات كاليفورنيا وأريزونا ونيو مكسيكو، ولا تنطبق على الهجرة غير الشرعية لليهود الأوروبيين ومن كل أقطار الدنيا إلى أرضنا في فلسطين؟
أسألك سؤالا يا فخامة الرئيس: هل لك علم بالتاريخ. هل تعلم من هم هؤلاء اليهود الذين يشرعون في وجوهكم سيف معاداة السامية؟ هل سألت يوما أي يهودي روسي أو بولندي أو أوكراني، أو ألماني (وقس على ذلك) ما علاقته بالسامية؟ هل أخضعت أيا منهم يوما لفحصٍ جيني يثبت إن كان له أي صلة بساميته المزعومة لتكتشف أنهم آريون لا يمِتون بأي صلة لأبناء سام؟ نعم هناك يهود ساميون وهم من أبناء وطننا العربي الكبير، وتربطنا بهم صلة قربى مع سيدنا إبراهيم عليه السلام، وهم أبناء يعقوب (إسرائيل) عليه السلام. وهؤلاء عاشوا بين ظهرانينا بسلام لم يشعروا يوما بجورٍ طالهم، وكانوا موزعين على كل الدول العربية من المحيط إلى الخليج، حتى أن بضعة آلاف منهم كانوا يعيشون على أرض فلسطين، وهؤلاء مواطنون فلسطينيون، ولهم الحق في فلسطين كباقي أبنائها. هل سألت (صديقك) بنيامين أبن البولندي بن صهيون نتنياهو إبن ناثان ميليكوفسكي ما الذي يربطه بفلسطين؟ وهل تعلم أنه يسكن في بيت مسروق لأسرة طبيب عربي فلسطيني؟ هل سألت المستوطنيْن الصهيونيَّين الأوكراني سموترتش والكردستاني بن غفير عن صلتهما بفلسطين؟ ومن أعطاهما الحق في سرقة الأرض الفلسطينية في الضفة الغربية ليسكنا فيها في الوقت الذي أمنع أنا الفلسطيني من العودة إلى بلدتي التي أجبرت على النزوح منها عام 1967م؟ وهل سألت نفسك أولا كإنسان عن مفهوم العدالة الإنسانية في قلبك وضميرك وجدانك قبل أن تطلب من العاهل الأردني والرئيس المصري أن تستقبل بلديهما الفلسطينيين الذين تخطط على ما يبدو مع (صديقك) نتنياهو لترحيلهم عن قطاع غزة؟ وهل سألت الفلسطينيين يوما هل حقا يريدون الرحيل عن فلسطين لِيدَعوها لليهود المهاجرين إليها في هجرة غير شرعية من هذا البلد أو ذاك؟ هل لا زلت تحمل أفكارك الإبراهيمية السخيفة وتريد العودة لتسويقها من جديد؟ الم تتعلم مع من يجب أن يتعلموا الدرس ألأهم من طوفان الأقصى أن لا سلام ولا أمن ولا أمان (لأحبابك الصهاينة) على أرض فلسطين إلا ما قد يمنحه لهم الفلسطينيون، ولا أحد غير الفلسطينيين حتى لو طبعت علاقات دولة الكيان مع كل الناطقين بلغة الضاد؟
السيد الرئيس، إن لم يتعلم المرؤ من أخطاء غيره، يمكنه أن يتعلم من أخطائه، أخاطب فيك الإنسان قبل السياسي والتاجر، وأؤكد لك أن تجارتك على حساب الفلسطينيين لن تكون رابحة أبداً. ثق بي!!!