
كتب مصطفى شهاب :
ما بين الثلاثين من أكتوبر والأول من نوفمبر عام 1991م عقد مؤتمر مدريد للسلام، بعد قرابة تسعة أشهر على حرب عاصفة الصحراء التي انتهت بتدمير العراق اقتصادا وكقوة عسكرية عربية كان يحسب حسابها، بسبب احتلاله غير العاقل لدولة الكويت، بعد أن سيق الرئيس العراقي صدام حسين -رحمه الله- إليها برجليه دون أي حساب لمخاطر تلك الخطوة. المؤتمر جاء في حالة تراجع حاد للقضية الفلسطينية، ولدور منظمة التحرير التي كان اسمها يغيب عن اجتماعات 8+1 التي عقدت في الرياض ذلك العام وكانت تضم وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي الست ووزيري خارجية مصر (عصمت عبدالمجيد) في ذلك الوقت، وسوريا (فاروق الشرع) إلى جانب وزير الخارجية الأميركي جيمس بيكر والتي حضرتها في قصر المؤتمرات بالرياض كصحفي، ولاحقت الوزيرين العربيين السوري والمصري في بهو القصر وصولا إلى المصعد علني أجد تبريرا منهما لذلك التغييب لذكر المنظمة فيما يخص فلسطين في البيان الختامي متفهما عتبَ، أو قل غضب دول المجلس من موقف القيادة الفلسطينية من مسألة احتلال الكويت، لكن دون طائل.
مؤتمر مدريد الذي استمر ثلاثة أيام لحل قضية الصراع العربي الإسرائيلي (كما كان ينظر إلى القضية الفلسطينية في حينه) جاء وفقاً لما رسمته له الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها في الغرب، مع مشاركة يمكن القول بأنها شرفية للاتحاد السوفييتي الذي كان على موعد بعد ذلك بشهرين تقريبا ليشهد انتهاء القصة الشيوعية السوفياتية وولادة روسيا الاتحادية التي ترأسها السكير بوريس يالتسن.
في الحوارات التي دارت حول ذلك المؤتمر تمنيت أن لا يشارك الفلسطينيون فيه مطلقا. كل المؤشرات كانت تشير إلى أنه مؤتمر أقيم لواد فلسطين وقضيتها وكان مما قلته هذا عرس، وفلسطين هي العروس؛ فهل يمكن لهذا العرس (المأتم) أن يتم إذا غابت العروس؟؟
قامت منظمة التحرير ومنظمة فتح على وجه الخصوص ونحن نملك على الأقل الضفة الغربية تحت الإدارة الأردنية في إطار وحدة الضفتين، وقطاع غزة تحت الإدارة المصرية، فعلى هاتين الدولتين أولا واجب استرداد الضفة والقطاع ثم ليقرر الفلسطينيون شكل الواقع السياسي الذي يريدون، وكنت أؤيد بصدق مشروع الملك حسين فيما يتعلق بالضفة الغربية وهو مشروع المملكة العربية المتحدة؛ فنحن وحدويون بطبيعتنا، وستكون الضفة في وضع أفضل من جعلها كدولة بلا منافذ بحرية إذا تعذر ربطها بقطاع غزة. والحق أنني أيضا كنت قد فقدت الثقة بمنظمة التحرير وقياداتها -ولا زلت-، وها نحن في هذه الأيام حيث أصعب مراحل النضال الفلسطيني والوقائع على الأرض تؤكد عدم إمكانية الثقة بمؤسسات العمل الرسمية للمنظمة التي تعيش خالة من التوهان في الوقت الذي يتطلب فيه الأمر يقظة وحرصا وإصرارا على بناء البيت الفلسطيني على أسس ومرتكزات يتفق عليها الجميع لمواجهة المؤامرة والمخططات التي يعمل نتنياهو على تنفيذها بدعم يبدو شبه مؤكد من الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب التاجر الذي يفهم السياسة باعتبارها صفقات تجارية.
نحن بحاجة أيها السادة إلى أن نقول للعالم كفلسطينيين أن لنا رأي ولدينا رؤية للحل، نجلس لنتفق عليه ونعلنه بشكل صريح وواضح، وأن النضال بكل أشكاله هو حق صريح لنا حتى ننال حقوقنا المغتصبة، وأن لا مواربة ولا مجاملة في هذا الموقف، وأن نضع خطة لتحركنا المستقبلي لتحقيق أهدافنا تقوم على إعادة بناء منظمة التحرير على قاعدة جبهوية، وليس بالمغالبة التي افقدت المنظمة كل دلالاتها منذ هيمنت عليها فتح عام 1969م لتمضي بنا إلى ما نحن عليه من ضعف وهوان.
فلسطين أغلى من الكل. فلسطين أغلى من كل فصيل أو تنظيم، وأغلى من كل قائد، وشعبها قد مل انتظار إعادة بناء البيت الفلسطيني حتى يكون قادرا على أن يقول لا صارمة وفاعلة، وبكل ما في الدنيا من حزم على رفض ما يحاك لفلسطين من مؤامرات من البعيد والقريب. فهل أنتم فاعلون؟؟؟