ترددت أنباء أن مسؤولاً من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، زار القاهرة، قبل أيام، والتقى مسؤولين مصريين، وناقش معهم مقترح نقل سكان من غزة إلى مصر والأردن إلى حين إعمار القطاع. كذلك تطرق إلى ملف سد النهضة الإثيوبي الذي تتخوف مصر من تأثيره على حصتها من مياه نهر النيل. وذلك بعد أن أعربت القاهرة عن رفضها لمقترح ترامب، وأعلنت أن لديها تصوراً بديلاً لإعمار غزة دون تهجير سكانها.
فسّر البعض تطرق المسؤول الأميركي لملف السد على أنّه “تلويح” باستخدام النهر -الذي يوفر نحو 90 في المئة من الحاجات المائية الأساسية للمصريين- للضغط على الدولة ذات المناخ الصحراوي الجاف، والتي تعاني ندرة مائية شديدة.
ومع تزايد سكان مصر من 20 مليوناً عام 1959، عند توقيع اتفاقية تقاسم مياه النيل -التي تمنح القاهرة حصة ثابتة تبلغ 55.5 مليار متر مكعب- إلى نحو 110 ملايين وفق آخر الإحصائيات، انخفض نصيب الفرد إلى 500 متر مكعب، في حين يبدأ خط الفقر عند 1000 متر مكعب.
هذه الأنباء التي لم تنفها أو تؤكدها كلاً من القاهرة وواشنطن، تطرح تساؤلات عدة: هل باتت تحذيرات الخبراء من استخدام السد الإثيوبي للضغط على القاهرة أمراً واقعاً؟ وهل تحوّل ترامب من داعم كبير لحقوق مصر المائية في ولايته الأولى (2017-2020) إلى أوّل من يهدد بملف المياه للضغط سياسياً عليها؟
“أمر مستبعد”
يستبعد الكاتب والصحافي المصري المقيم في الولايات المتحدة محمد ماهر هذا التصور، ويقول لـ”النهار” إن “إدارة ترامب يمكن أن تساوم مصر، أو تستخدم الضغوط الديبلوماسية في الغرف المغلقة، لكنها لن تستخدم ملف المياه لأنها تعلم جيداً مدى حساسيته بالنسبة للمصريين، وأنه قد يجعلها تخسر حليفاً استراتيجياً في المنطقة، وهي في أمس الحاجة إلى صديق الآن”.
“لا عجلة”
من جانبه، يرى مدير “منتدى شرق المتوسط للدراسات السياسية والاستراتيجية” محمد حامد أن “ما تريده القاهرة من أميركا هو الضغط على أديس أبابا لتوقيع وثيقة واشنطن التي تنصلت إثيوبيا من التوقيع عليها عام 2020، كما أن مصر حصلت على تعهد من إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن عام 2021 خلال الحوار الاستراتيجي بين البلدين بالحفاظ على أمنها المائي”.
ويقول حامد لـ”النهار”: “مصر ليست في عجلة من أمرها، خصوصاً مع نشر 10 آلاف جندي مصري في الصومال، وتبدّل الأوضاع في السودان لمصلحة الجيش، وتوطيد علاقاتها بكينيا، إلى جانب الاتفاق المصري – الصومالي – الاريتري، ومن ثم فإن القاهرة لن تخضع لضغوط باستخدام ملف المياه”.
“ثمة ضغوط”
يتبنى رئيس “مركز النيل للدراسات الأفريقية والاستراتيجية” محمد عزالدين وجهة نظر مغايرة، ويقول لـ”النهار” إن “الولايات المتحدة لو أرادت حل أزمة سد النهضة، ووقف سائر الحركات المسلحة التي كانت تهاجم السفن المارة في البحر الأحمر لفعلت، إذ لديها ودول غربية أخرى أكبر قاعدة عسكرية في جيبوتي، وهم متحكمون بمضيق باب المندب”.
يضيف: “أرى أن نهر النيل وقناة السويس أدوات تستخدم للضغط على مصر، ولكنني اعتقد في الوقت ذاته، أنه إذا نجحت مصر في إحداث توازن بين مصالحها ومصالح أميركا والغرب، ومررت بعض الطلبات المقبولة نسبياً، وأصرت على رفض ما هو غير مقبول، مثل تهجير الفلسطينيين من أرضهم، هذا إلى جانب التفاف الشعب المصري حول قيادته، فإن تلك الضغوط لن تؤثر سلباً على القاهرة، وستمر الأمور بسلام، وتبقى علاقتها الاستراتيجية مع واشنطن، وهي علاقات مهمة لنا ولهم، باقية ومفيدة للجانبين”.