سلايدات

برّي يرفض فصله عن “حزب الله”: حكومة الـ1701 الصعبة

كتب منير الربيع في المدن:
في تسعينيات القرن الفائت، وخلال إحدى المقابلات الصحافية، انتقد رئيس مجلس النواب نبيه بري “المارونية السياسية” في لبنان، بسبب الاستئثار بالحكم والسلطة وتخصيص المكتسبات لدى شريحة تمثل فئة واحدة من اللبنانيين، وهو ما أدى إلى انفجار البلاد بحروب متناسلة. في المقابلة نفسها ينتقد برّي سوء الإنماء وعدم اشتماله على مناطق كثيرة. ومن جملة ما قدّمه اعتراضه على عدم تشييد “cote” على طول الساحل اللبناني الممتد من الشمال إلى الجنوب في إحدى أجمل وأعدل الرقع على البحر الأبيض المتوسط.
أكثر من ثلاثة عقود مرّت، ليأتي دونالد ترامب بمشروع إنشاء “ريفييرا” الشرق الأوسط. والتي يريد بناءها على أنقاض العمران الذي سيتم جرفه بالحروب، والإنسان الذي يُراد له أن يقتلع بالتهجير. كان سقوط المارونية السياسية في لبنان فاتحاً لعهد جديد وبداية نمو نموذج سياسي مختلف. ما بعد الحرب على غزة وإشهار ترامب لمشروع تهجير الفلسطينيين، والحرب الإسرائيلية لتغيير وجه الشرق الأوسط، هناك مسعى للدخول في عصر جديد على مستوى المنطقة ومن ضمنه لبنان، مع ما يعنيه ذلك من تحولات سياسية أو تغيير موازين قوى.

أثمان باهظة
هذه الصورة الأساسية والفعلية التي يمكن من خلالها قراءة المشهد بوضوح. وهو ما تُرجم سياسياً في لبنان بمرحلة ما بعد الحرب. خصوصاً أن التدمير الممنهج الذي أحدثه الإسرائيليون في الجنوب وربط اللبنانيين بالحاجة إلى إعادة الإعمار، سيكون لها أثمان سياسية باهظة جداً. بدأت المرحلة الجديدة بانتخاب رئيس للجمهورية، وتُستكمل في عملية تشكيل الحكومة، التي تفجّرت محاولات تأليفها في اللحظات الأخيرة قبل إعلانها. والسبب المعلن هو الاختلاف بين رئيس الحكومة المكلف ورئيس مجلس النواب على تسمية الوزير الشيعي الخامس في الحكومة. يعرف الرؤساء الثلاثة أن هناك مرحلة جديدة لها مقتضياتها، ولها شروطها. خصوصاً أن الجرف الذي تحتاجه “ريفييرا ترامب” بالمعنى الفعلي، تحتاج مقابله جرفاً سياسياً. إذ كما ترفع إسرائيل وأميركا شعار عدم عودة حركة حماس لحكم غزة، وعدم مشاركتها بالسلطة. هناك في الولايات المتحدة الأميركية من يضغط بهذا الاتجاه بخصوص حزب الله في لبنان. على الرغم من أنه في أيام إدارة جو بايدن كان هناك نوع من إشارة أميركية إيجابية حول تحول حزب الله من قوة عسكرية إلى حزب سياسي يشارك في الحكومة. أما مع دونالد ترامب فالإشارات التي تأتي متناقضة جداً، وصولاً إلى إيصال رسائل حول رفض إدخال الحزب في الحكومة، أو محاولة فصل وعزل حركة أمل عن حزب الله. لكن بري أبلغ المجتمعين في بعبدا بأنه يدخل والحزب سوياً في الحكومة، أو يخرجان منها سوياً. ولذلك عندما احتدم النقاش حول اسم الوزير الشيعي الخامس، قال بري للرئيسين: “اذهبا وشكلا حكومة من دون الشيعة”.

قرارات جذرية
من الواضح جداً أنه بعد التغيرات التي حصلت في الإدارة الأميركية وسياستها، فإن المطلوب من هذه الحكومة اتخاذ قرارات جدية وجذرية بملفات عديدة، سياسياً وبموضوع السلاح. وهذا التوجه السياسي يبقى أكبر بكثير من كل التفاصيل اليومية اللبنانية المرتبطة بالحصص وبتسمية وزير من هنا أو من هناك. فالمطلوب دولياً ومن قبل المعنيين بتشكيل الحكومة ضمانات بعدم تفجيرها من الداخل. وذلك من خلال عدم منح أي طرف الثلث المعطل، أو تعطيلها بذريعة الميثاقية في حال انسحب وزراء طائفة منها. ولذلك هناك إصرار لدى الرئيس المكلف على تسمية شخصية شيعية لا تنتمي للثنائي. بينما الثنائي الشيعي يطالب بضمانات حول عدم اتخاذ قرارات في الحكومة تتعارض مع توجهات حركة أمل وحزب الله، وخصوصاً في موضوع الجنوب وسلاح الحزب.
سيكون لهذه الحكومة دوران محوريان، تطبيق القرار 1701، وإجراء الانتخابات النيابية. وفي كليهما يمكن أن يُفسّر عملها بأنه محاولة لـ”تقريش” حالة ضعف حزب الله العسكرية، بإضعافه سياسياً. الطرفان المتخاصمان والمختلفان لديهما أولويات متناقضة. فحزب الله وحركة أمل يريدان حكومة تحفظ توازنات معينة ومكتسبات، وأن لا تتجه الحكومة إلى اتخاذ قرار بالتصويت على المواضيع الخلافية، وفي حال كان لا بد من التصويت فيجب عرقلته إما من خلال امتلاك الثلث المعطل أو من خلال امتلاك ورقة الميثاقية. في المقابل، فإن وظيفة هذه الحكومة والمرحلة الجديدة التي يدخلها لبنان ترتبط باتخاذ قرارات استراتيجية وجوهرية على مختلف الصعد المالية، الاقتصادية، المؤسساتية، والعسكرية والأمنية، وخصوصاً معالجة الوضع في الجنوب ومسألة سلاح حزب الله.
المشكلة الأبرز أن انفجار الملف الحكومي جاء قبيل ساعات من وصول مساعدة مبعوث الرئيس الأميركي إلى الشرق الأوسط مورغان أورتاغيس، لعقد لقاءات مع المسؤولين اللبنانيين ذات الصلة بملف الجنوب وبالملفات السياسية الأخرى، مع ما تحمله من مؤشرات تصعيدية تجاه حزب الله. وهذا سيكون له أثره وانعكاسه على عملية التشكيل، لا سيما أن الثنائي وخصوصاً رئيس مجلس النواب، سيعتبر أن فشل عملية التشكيل قبيل وصول أورتاغيس، قد يشكل عنصر ضغط جديد عليه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى