سلايدات

ترامب في مواجهة بيروقراطية الدولة.. هل ينجح؟

كتب إلياس فرحات في اللواء:
خالف دونالد ترامب أثناء ولايته الرئاسية الأولى (2017-2021) تقاليد البيروقراطية الأميركية وتتمّتها الراسخة في الدولة العميقة، أي وزارات الخارجية والدفاع والاحتياطي الفيدرالي والمجموعة الاستخبارية من جهة وقطاع الصناعات الكبرى وتكنولوجيا المعلومات والطاقة ومصارف وول ستريت ووسائل الإعلام من جهة أخرى، ولكنه لم يدخل في مواجهة شاملة معها.
فقد اتخذ دونالد ترامب في ولايته الأولى سلسلة من القرارات من خارج أسر هذه البيروقراطية ومن دون أن يُقيم اعتباراً للدولة العميقة ومصالحها. ومن بين أهم قراراته الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران المعروف بـ«خطة العمل الشاملة المشتركة» والانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ.. ومنها أيضاً قرار سحب القوات الأميركية من سوريا عام ٢٠١٨ والذي لم يتمكن من تنفيذه بسبب معارضة بيروقراطية الدولة ومكملاتها من الدولة العميقة. ومع بدء ترامب ولايته الثانية والأخيرة في العشرين من كانون الثاني/يناير الماضي، يكون قد أصبح في حل من مسايرة القوى النافذة من أجل إعادة انتخابه لولاية جديدة، كما هو حال غيره من الرؤساء في الولايات المتحدة، لذلك بدأ باصدار قرارات رئاسية من عندياته فقط، وأبرزها يشمل المجالات الآتية:

أ- التعيينات الرئاسية: اتخذ ترامب قرارات بتعيينات واسعة تكتنفها الغرابة والغموض. عادة ما تكون التعيينات نتيجة اقتراحات مُقدمة من الحزب الحاكم (الجمهوري حالياً)، لكن دور هذا الحزب في هذه التعيينات كان محدوداً جداً.
١- نبدأ من عند تعيين وزير الخارجية ماركو روبيو، وهو سيناتور عن ولاية فلوريدا. ولد من أبوين مهاجرين من كوبا. له مواقف متشددة وأبرزها من الصين التي شهر بوجهها سلاح العداء لها، ما حمل القيادة الصينية على اصدار تعميم يمنع دخوله إلى أراضي الصين. روبيو المهاجر من كوبا يقف بشدة ضد المهاجرين الآتين عبر المكسيك. كيف لوزير خارجية ممنوع من دخول الصين أن يتحاور مع العملاق الصيني، وهو حوار لا بد منه بين العملاقين الاقتصاديين؟

٢- تعيين وزير الدفاع بيت هيغسيت، وهو ضابط سابق في الحرس الوطني برتبة رائد. خدم في العراق في قوات العمليات الخاصة ويبلغ من العمر ٤٤ سنة وعمل مقدم برامج في قناة «فوكس نيوز»، وله آراء مثيرة للجدل أهمها معارضة خدمة النساء في الجيش. شهدت المصادقة على تثبيته في مجلس الشيوخ معارضة شديدة وعند التصويت تعادلت الأصوات المؤيدة والمعارضة ٥٠/٥٠ ما استدعى تصويت نائب الرئيس لصالح تعيينه. هناك تساؤلات عديدة حول كيفية تعامله مع الجنرالات الذين لطالما سخر منهم في برامجه التلفزيونية.
٣- تولسي غابارد رئيسة المجموعة الاستخبارية، وهي عضو سابق في الحزب الديموقراطي، عضو الكونغرس عن ولاية أوهايو مرتين وتبلغ من العمر ٤٣ سنة. آراؤها مثيرة للجدل؛ فقد وقفت إلى جانب الرئيس بشار الأسد خلال الأزمة السورية، وزارت دمشق مرتين اجتمعت خلالهما بالأسد برغم المواقف الأميركية الحادّة من القيادة السورية السابقة. في شهادتها أمام مجلس الشيوخ في جلسة التثبيت، قالت غابارد «إن من يحكم سوريا الآن هو إرهابي متطرف سرق السلطة في إدلب بالتطرف والآن يضطهد ويعتقل ويقتل الأقليات».

٤- تعيين مبعوث ترامب للشرق الأوسط وهو ستيفن ويتكوف المطور العقاري والوسيط الذي يعرفه جيداً معظم أثرياء ممالك وإمارات الخليج الذين اشتروا عقارات في الولايات المتحدة، وهو رفيق ترامب في لعبة الغولف.
٥- وزيرة التعليم ليندا مكماهون، الرئيسة المشاركة للاتحاد العالمي للمصارعة الترفيهية. حليفة لترامب وتبرعت لحملته الانتخابية بملايين الدولارات. يُعوّل عليها ترامب في قضية إلغاء تعليم الطلاب ما يُسمّى «الجنس الثالث» وإلغاء حرية التحوّل الجنسي.
٦- تعيين غير مسبوق لنجوم سينمائيين كمبعوثين للرئيس في هوليوود من أجل تطويرها بعد تراجعها مؤخراً وهم: سيلفستر ستالون وجون فويت المعروفان بتأييدهما لإسرائيل (هاجم جون فويت ابنته النجمة أنجلينا جولي بسبب مواقفها المتعاطفة مع أطفال غزة) وميل غيبسون المعروف بعدائه لإسرائيل واللوبي الصهيوني (صاحب فيلم «مأساة المسيح» The Passion of the Christ).
ب- قرارات تنفيذية:
١- أمر تنفيذي يقضي بعدم منح الجنسية الأميركية للطفل الذي يُولد على أراضي الولايات المتحدة من أبوين غير أميركيين، ونزع المواطنية عن المولودين في الولايات المتحدة لأبوين مهاجرين غير شرعيين. قرارٌ أثار ويُثير ضجة كبيرة لدى المهاجرين الذين دخلوا الولايات المتحدة بصورة قانونية أو خلسة. نقض القاضي الفدرالي جون كوفنور الأمر التنفيذي وعلّق تنفيذه بحجة مخالفته المادة ١٤ من الدستور الأميركي. طبعاً استأنف محامو ترامب القرار.
٢- أمر تنفيذي غير مدروس بفرض رسوم جمركية بنسبة ٢٥٪ على الواردات من كندا والمكسيك و١٠٪ من الصين. وبعد اعتراض كبير وتحذير من رئيسة المكسيك ورئيس وزراء كندا، وافق ترامب على تجميد الأمر التنفيذي لمدة شهر والدخول في مفاوضات مع هاتين الدولتين حول التعرفة الجمركية.
ج- تصريحات مثيرة للجدل: أطلق ترامب تصريحات مُثيرة للجدل حول السيطرة على جزيرة غرينلاند التابعة للدانمارك وضم كندا إلى الولايات المتحدة بحيث تصبح الولاية الـ51 وإعادة السيطرة على قناة باناما التي تفصل المحيط الأطلسي عن المحيط الهادئ في وسط أميركا. لم يُرفق ترامب هذه التصريحات بأوامر حكومية ولا بقرارات رسمية فضلاً عن أنها جميعها تتعارض مع القانون الدولي وتعتبر إغتصاباً لأرض تابعة لدولة ذات سيادة. بذلك يضع ترامب الولايات المتحدة في موقف حرج مع حلفائها في أوروبا وجيرانها في أميركا اللاتينية قد يتطور إلى نزاع يرتد سلبا عليها وعلى مصالحها في العالم.
د- قنبلة غزة: الأمر الأكثر غرابة وغير المسبوق في العلاقات الدولية هو تصريحات ترامب المتكررة التي دعا فيها ملك الأردن عبدلله الثاني والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لاستقبال سكان غزة في بلديهما باعتبار القطاع أصبح أرضاً مُدمّرة. رفض كل من مصر والأردن طلبات ترامب وبرغم ذلك كرّر قوله: «سيفعلونها.. سيفعلونها»، أي أنه واثق من ترحيل سكان غزة إلى مصر والأردن. على أن المفاجأة الأكبر تمثلت بإعلان ترامب أمام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أثناء زيارة الأخير لواشنطن أن الولايات المتحدة هي من ستستولي على قطاع غزة وستحوّله إلى «ريفيرا سياحية»، مشيراً إلى أن الشعب في غزة لم يعد يتحمّل العيش في أجواء الحرب وإطلاق النار. هكذا أدخل ترامب بتصريح متسرّع الولايات المتحدة في وضع من يستولي من دون وجه حق على أراضي شعب.. ويطلب من دولتين نقل هذا الشعب إلى أراضيهما. تُعبّر هذه القرارات والتصريحات الترامبية عن فردية مفرطة، فضلاً عن افتقادها لآليات تنفيذية، فهل يعقل أن مسألة سياسية كالاحتلال الإسرائيلي لغزة يُمكن مقاربتها بعقلية المُطور العقاري؟ ثم أن قرار حرمان المولودين على الأراضي الأميركية من أبوين غير أميركيين من حق الجنسية سقط قبل أن يُولد.. مثلما تعثّر قرار رفع التعرفة الجمركية وبقيت غرينلاند في الدانمرك والاتحاد الأوروبي. أما قناة باناما، فقد تحدّت حكومة باناما ترامب ورفضت ادّعاءاته. يسري ذلك على غزة بحيث تتعدد الأسئلة: ما هي آلية تنفيذ القرار القاضي باقتلاع الفلسطينيين من أرضهم في غزة؟ هل ستهاجم الولايات المتحدة القطاع المدمر؟ وكيف يتصرف المقاتلون الفلسطينيون؟ وماذا إذا وقعت اشتباكات وسقط قتلى وجرحى أميركيون؟ إذا كانت إسرائيل قد فشلت بعد خمسة عشر شهراً من السيطرة على القطاع وتحرير الأسرى فهل ستنجح الولايات المتحدة هناك؟ كيف ستتصرف بيروقراطية الدولة، أي وزارات الخارجية والدفاع ومجمع الاستخبارات من أجل توفير آلية ناجحة لتنفيذ هذا القرار؟ هل ستُحضر لعمل عسكري ضد غزة أم لعقوبات اقتصادية وسياسية على الأردن ومصر تطيح باستقرار هذين البلدين الحليفين وأيضاً باستقرار المنطقة والعالم؟ لا شك أن حظوظ نجاح المشروع الترامبي في غزة ضعيفة مقابل حظوظ فشل تبدو كبيرة جداً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى