![](https://lebanonajel.com/wp-content/uploads/2025/02/690482-745x470.png)
كتب جورج شاهين في الجمهورية :
كشفت صراحة الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس وجرأتها غير المسبوقة بحديثها المباشر عن “هزيمة حزب الله على يد إسرائيل” وحجم “إمتنانها لحليفتها”، ودعوتها إلى التثبّت “من أنّ “حزب الله” ليس جزءاً من هذه الحكومة بأي شكل من الأشكال” جانباً كبيراً من الأزمة الحكومية. وأسقطت الذرائع الأخرى التي ارتبطت بمصير اسم هذه الوزيرة أو هذه الحقيبة أو تلك. ليظهر جلياً أنّ ما يعوق ولادتها لم يكن مرتبطاً بأي عقدة داخلية. لكنّ السؤال المطروح، هل عادت عملية التأليف إلى نقطة الصفر؟ أم أنّ هناك هامشاً يمكن النفاذ منه لتأليفها؟
قبل البحث في الظروف التي دفعت أورتاغوس إلى البوح بما كشفته من على منصة القصر الجمهوري في بعبدا، يبدو واضحاً لمجموعة كبيرة من المراقبين المحايدين أنّها لم تأتِ بجديد. فالمصادر الأميركية سبقت زيارتها إلى بيروت بضخ كثير من المعلومات، ولم يكن ينقصها سوى من يتحمّل المسؤولية بالإسم وبالصفة الأميركية التي تؤهلها لمثل هذه التحذيرات والنصائح، ومن المستوى الرفيع الذي يمكن الركون من خلاله إلى صدقيّتها وجدّيتها. وهو كلام بقيَ على مشرحة البحث عن مصدره، وقد مضى على المفاوضات الجارية لتشكيل الحكومة أسبوعَان على الأقل، وقطع شوطاً بعيداً في مشاوراته مع “الثنائي الشيعي” لإشراكه في الحكومة، توصّلاً إلى مَن يمثلهم في الحكومة بعيداً من الأسماء النافرة أو تلك التي تتسلّم مهماتها مباشرة في الحزب، ولم يتدخّل أي مسؤول أميركي لدى أي من المعنيّين اللبنانيّين بالمسألة لا في السرّ ولا في العلن.
وقبل أيام سبقت زيارة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو إلى واشنطن، تعالت اللهجة المحذّرة من مشاركة “حزب الله” في الحكومة. ونقلت وكالات الأنباء الأجنبية مواقف متصلبة منه لم تنسبها إلى أي مسؤول أميركي بالإسم. وقصد البعض من هذه الوسائل الإعلامية التأكيد أنّ مثل هذه التحذيرات للمعنيِّين بالطبخة الحكومية نُقِلت عن اثنين أو ثلاثة من المسؤولين الأميركيّين المعنيّين بالشؤون اللبنانية والمنطقة من دون تسمية أي منهم، في مرحلة تلت تسمية أورتاغوس لهذه المهمّة في منتصف الشهر الماضي بعد مرور أيام قليلة على تسلّم الرئيس دونالد ترامب مهمّاته الرئاسية. وهي محطات تزامنت مع دخول رئيس الجمهورية المنتخب العماد جوزاف عون إلى قصر بعبدا، وأيام قليلة فصلت عن تسمية القاضي والسفير نواف سلام لتشكيل الحكومة العتيدة.
أمّا وقد أُلغيَ موعد سابق كان قد حُدِّد مبدئياً لزيارة أورتاغوس ومعاونيها إلى بيروت، فقد ثَبُت أنّها تمّت لأسباب وجيهة ارتبطت بضرورة انتظار زيارة نتنياهو إلى البيت الأبيض، وفي مرحلة تلت تمديد واشنطن للاحتلال الإسرائيلي لبعض القرى اللبنانية في القطاع الشرقي من الجنوب، لتأتي الرسالة في التوقيت الذي تختاره واشنطن وتل أبيب، من دون مراعاة الظروف الداخلية في لبنان التي فرضت على الرئيس المكلّف بدء مشاورات التأليف مع “الثنائي الشيعي” على خلفية أنّ عقدة تمثيله هي الأصعب في ظل الظروف التي حكمت مواقف طرفيه حركة “أمل” و”حزب الله” بعد الحرب، وما انتهت إليه من خسائر لا تُقدَّر في الأرواح والممتلكات، عدا عن الشعور بالعزلة الداخلية والدولية على حدٍ سواء. وكل ذلك ارتبط بتوقيت دقيق رافق دخول ترامب إلى البيت الأبيض وإطلاقه مجموعة من المشاريع الكبرى التي تُهدِّد دولاً في المنطقة.
على هذه الخلفيات، تساءلت المراجع عن النتائج الفورية التي ولّدتها زيارة أورتاغوس وتحديداً ما تسبّبت به كلماتها، سواء سُمِّيت “صريحة” أو “جريئة” أو “وقحة” لا فرق، وهي التي أطلقتها حول مسار تشكيل الحكومة وهو في الأمتار الأخيرة من شوط التأليف، مخافة أن يضطر الرئيس المكلّف للعودة إلى الصفر، مع أنّ التشكيلة تحاشت الأسماء التي تمثل الحزب والحركة مباشرة تحت غطاء استبعاد الأحزاب عن حكومته. وجاءت ملاحظات أخرى لتزيد في الطين بلّة، فقد تلت أورتاغوس، بعيداً من عادات أسلافها الذين كانوا يتلون خطاباً مكتوباً. فارتجلت تصريحها، ربما لعلاقتها القوية وقدرتها على الإرتجال بهذه الفصاحة نتيجة خبرتها الإعلامية وقساوتها في التعبير عمّا أرادت أن تنقله من رسائل مباشرة خالية من أي “تشفير سياسي” أو ديبلوماسي وكأنّها تتحدّث في دردشة غير قابلة للنشر في صالون مقفل.
ولذلك، فقد أذهلت أورتاغوس سامعيها مِمَّن رحبوا بـ “صراحتها” أو استهجنوا “استعلاءها” لا فارق، سواء كانوا من اللبنانيِّين العاديِّين أو مسؤولي القصر الذي عاجلت دوائره بتوضيح صادر عن مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية: “إنّ بعض ما صدر عن نائبة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط السيدة مورغان أورتاغوس من قصر بعبدا، يعبّر عن وجهة نظرها، ورئاسة الجمهورية اللبنانية غير معنية به”. وهي خطوة وصفت بالحكيمة لتجنّب ردّات الفعل الداخلية عليه في شكله ومضمونه وتوقيته في مثل الظروف التي تعيشها البلاد، عدا عن التركيز في الصور التي نقلت ارتداءها خاتماً يحمل رمز “النجمة اليهودية الزرقاء المسدّسة” الذي اعتُبر لباسه خطأ جسيماً في خلال زيارة إلى بلد خرج في الأمس من عدوان إسرائيلي رهيب.
وإلى هذه الملاحظات توقفت المراجع باهتمام في توقعاتها أمام ما يمكن أن تحمله لبقية مراحل الزيارة الباقية بعد زيارتها الجنوبية، لترصد لقاءها اليوم مع رئيس مجلس النواب نبيه بري قبل رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي والرئيس المكلّف تشكيل الحكومة نواف سلام، وما يمكن أن يشهده إن لم يُعاد النظر بالموعد مع بري كما تردّد ليل أمس بلا أي نفي أو تأكيد للرواية.
ولذلك كله، كانت زيارة الرئيس المكلّف إلى بعبدا لاستيعاب الصدمة التي تركتها تصريحات أورتاغوس، والسعي إلى الإسراع بتأليف الحكومة قبل أن تتطوّر المواقف إلى ما لا يُحمد عقباه. فيتراجع سلام عن تشكيلته القديمة إن كان ذلك قد بات حتمياً بعد زيارة أورتاغوس فإنّ لمثل هذه الخطوة عواقب لا تُقدَّر من اليوم. لكنّها أبرزت أهمية أن تكون مهمّته سهلة، فتتوافر له المخارج من أصحاب العِقَد. وأن يستوعب “الثنائي الشيعي” الظروف المحيطة بلبنان.
وانتهت المراجع إلى القول: “ألا يُدرك الرئيس بري حساسية الموقف وضرورة استعجال التأليف، فلا يقف عند مصير حقيبة أو اسم وزيرة نُسِبَت إليها الإشكالات وتعثرت عملية التأليف قبل بلوغ الصدمة الأميركية. فالجميع يعرفون أنّهم يتعاملون مع الوقائع ولا يحكمون على النوايا، وكان يمكن أن يكون لنا حكومة قبل زيارتها؟ أمّا وقد بلغت الأمور ما بلغته عملية التأليف، فإنّ الدعوة ملحّة إلى فهم ما يمكن أن يقوم به المسؤولون اللبنانيّون لإقفال ملف التشكيل بالسرعة القصوى لمواجهة ما هو أهم بكثير من سعي “الثنائي” إلى قوة وزارية تعطيلية، سواء عبر إثارة موضوع “الميثاقية” الشيعية في التوقيت الذي يحتاجه، أو إنقاذ البلاد من الأزمة الحالية، فلا خيار ثالثاً أمامهم جميعاً.