سلايدات

عودة الأمل والتفاؤل الحذر إلى لبنان

كتبت رندة تقي الدين في النهار :

أسبوع قبل موعد انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان الذي قد يؤجل، كثر الكلام في الغرب وفي بعض أوساط اللبنانيين عن أن لولا إسرائيل لما تغيرت الأمور في لبنان إلى الأفضل. من يرى أن  انتخاب الرئيس جوزف عون الذي يحظى باحترام واسع وتعيين

شخصية قديرة ومميزة مثل القاضي نواف سلام رئيس حكومة، وسقوط نظام الأسد في سوريا، وتراجع النفوذ الإيراني،  ما كانت لتحصل لو لم تدمر إسرائيل غزة ولبنان،  فإنه بالتأكيد يخطئ التقدير، لأن إسرائيل دمرت غزة وتعمل على تهجير الفلسطينيين وسببت حرباً مدمرة في غزة ولبنان مرات عدة قبل هذه الحرب. وسقوط الأسد لم يكن بفضلها إنما نتيجة إجرامه وفساده وانشغال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في حرب أوكرانيا وتراجع قدراته وتفاقم الوضع الكارثي في سوريا. نظام حافظ الأسد هو الذي انشأ “حزب الله”. السفيرة الأميركية السابقة إبريل غلاسبي التي كانت تعمل مبعوثة إلى الشرق الأوسط قبل توليها سفارة أميركا في العراق قالت يوماً في مقابلة  مع صحيفة “الحياة “: “كنت في دمشق لمحادثات مع حافظ الأسد حول لبنان، وكنا نرى أمامنا في دمشق سيارات لبنانية تأتي وتذهب إلى العاصمة السورية فيها عناصر من ميليشيات لبنانية وعرفنا بعد ذلك أنه كان يتم تأسيس حزب الله أمام أعيننا”.

من يقول إن التغيير في لبنان وفي سوريا هو بفضل  إسرائيل، يغض النظر عن  معاناة الشعب الفلسطيني على يد الدولة العبرية. لولا هذه المعاناة والألم الفلسطيني لما نشأ “حزب الله” مبرراً قيام مقاومة دمرت لبنان مرات عدة ولم تساعد الشعب الفلسطيني يوماً. لولا إسرائيل لما كانت “حماس” وما قامت به في 7 تشرين الأول / أكتوبر وفتحت على الشعب الغزاوي أبواب جهنم. إضافة إلى أن إسرائيل كانت تحمي عهدي الأسد الأب والإبن. يجب أن نعود إلى مذكرات الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك ثم إلى مذكرات مستشاره موريس غوردو مونتاني التي تناولت الحديث الفرنسي مع رئيس مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية إيهود أولمرت في 2006 خلال الاجتياح الإسرائيلي للبنان عندما سأله الجانب الفرنسي عن سبب قصف لبنان بدلاً من ضرب سوريا المسؤولة عن أفعال “حزب الله” وكان رده أن دولته أكثر اطمئناناً بوجود نظام الأسد لأن الحدود معه هادئة وبديله قد يكون متطرفاً إسلامياً ضد إسرائيل. كل ما حدث في تاريخ لبنان القريب يثبت أن  القول بأن إسرائيل غيرت الأوضاع في لبنان إلى أفضل هو تحليل خاطئ ومنحاز . “حزب الله” وقيادته ارتكبا عملية انتحار بمساندة “حماس” في غزة، فاختراق الحزب من الداخل أظهر كم كانت بنيته هشة وأن قوته بالسلاح كانت موجهة إلى الهيمنة في الداخل اللبناني ولحماية نظام الأسد وتدريب الحوثي في اليمن ولتغطية الفساد السائد في البلد . فرغم نفوذه في الساحة الداخلية اخترقته  الدولة العبرية بشكل محترف، ليس فقط بالتقنيات المتقدمة، ولكن عبر عملاء في داخله. هكذا نفذ الجيش الإسرائيلي جريمة قتل السيد حسن نصر الله بعد 19 سنة من اغتيال “حزب الله” الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه ولائحة طويلة من شهداء سيادة لبنان وحريته، وآخرهم الباحث والمفكر لقمان سليم. فمن يعتقد أن التغيير في لبنان هو بفعل إسرائيل يتناسى كيف أذل رئيس حكومة إسرائيل مناحيم بيغن عام 1982 الرئيس اللبناني المنتخب بشير الجميل الذي جازف في مواجهته ليقول له إنه لا يستطيع بعد انتخابه رئيساً أن يطبّع العلاقة بين لبنان وإسرائيل. واغتيال بشير الجميل بأمر من الأسد الأب قد يكون بمباركة غير معلنة من الجانب الإسرائيلي.

اما انفجار مرفأ بيروت فهو مماثل لكل العمليات الإسرائيلية رغم تأكيد الجهات الفرنسية على أعلى المستويات أن ليس لدى فرنسا أي برهان على أن إسرائيل قامت بهذه العملية. لكن “حزب الله” سارع إلى القول إنها ليست عملية إسرائيلية لعدم الرد عليها ولعدم الاعتراف بأنه المسؤول الأول عن وضع مواد تدخل في صناعة المتفجرات في المرفأ.

كل ذلك للقول إن الدولة العبرية ليست هي التي غيرت الأوضاع في لبنان، بل الفساد والجهل والولاء للخارج هي التي أدت اإلى تغيير منشود لأن الشعبين اللبناني والسوري يطمحان إلى تحسين الأوضاع. انتخاب الرئيس وتعيين رئيس الحكومة ولدا أملاً كبيراً لدى الشعب اللبناني المتعطش للنزاهة وحب الوطن والسلام والسيادة. تاريخ نواف سلام هو تاريخ نضال من أجل لبنان ومن أجل الشعب الفلسطيني. فقد ترك رئاسة محكمة العدل الدولية التي تنظر في جريمة إسرائيل القيام بتطهير عرقي للشعب الفلسطيني في غزة ليحاول البدء بإصلاح بلده مع فريق حكومي متجانس نزيه مع قدرات وكفاءات بإمكانها أن تنجح. تولي ياسين جابر  وزارة المال وهي من حصة رئيس مجلس النواب نبيه بري أثار المخاوف، لكن لدى جابر الكفاءة للعمل المهني، خصوصاً أنه والرئيس بري وفريقه مدركون أن عيون الأسرة الدولية عليهم ولا يمكن إلاّ أن يترك جابر للعمل المهني المحترف النزيه بعيداً عن خدمة هذا أو ذاك، فاللبنانيون تعبوا من ذلك.

أما غسان سلامة وطارق متري فهما من أقرب المقربين إلى رئيس الحكومة وسيكونان إلى جانبه لإعادة إصلاح الدولة بأقصى الجهود والعمل الدؤوب والمهني.

وزير الطاقة جو صدّي هو من بين الشخصيات الناجحة في قطاع الطاقة وهو معروف في الشركات النفطية وقطاع الطاقة العالمي، وله معارف وصداقات في الشركة النفطية السعودية العملاقة أرامكو.

وزير الزراعة نزار هاني نجح في إدارة محمية أرز الشوف وهي نموذج بيئي وزراعي مثالي وسيضع خبرته في الأرض لخدمة قطاع الزراعة في لبنان.

أما السيدات الوزيرات الخمس فقصة كل منهن هي نجاح في القطاع الذي أتت منه. على سبيل المثال وزيرة السياحة لورا لحود التي نجحت في تنظيم مهرجان دولي في فندق البستان في أحلك الظروف في لبنان وأتت بفرق موسيقية وفنانين من دول أوروبية ومن روسيا في ظروف لم يكن أحد يتصور أنهم سيحضرون. إضافة إلى أنها مارست عملها كعضو فاعل في شركة كات CAT الهندسية المعروفة عربياً وعالمياً لعملها في قطاع النفط، كما أن جدها هو رجل الأعمال الشهير الراحل إميل البستاني ووالدتها ميرنا البستاني كانت أول سيدة نائبة في البرلمان اللبناني. مارست لورا لحود العمل السياسي إلى جانب شقيق زوجها، وهو من كبار الرجال السياسيين اللبنانيين، الوزير الراحل نسيب لحود، وكانت تشارك دائماً في تنظيم أقلام الانتخاب في مناطق ترشح نسيب لحود. وشاركت في  غداء زوجة الرئيس الفرنسي بريجيت ماكرون في قصر الإليزيه مع أربع سيدات لبنانيات للحديث عن خبرتهن في لبنان وكانت مناسبة للسيدة الفرنسية الأولى لتعرب عن رغبتها في زيارة لبنان، خصوصاً أنها تعرفت إلى البلد عبر تلاميذ لبنانيين في المدرسة التي كانت تعلم فيها .

إن أمثلة عن كفاءات بعض أعضاء الحكومة  تعطي أملاً للبنانيين بعمل الرئيسين جوزف عون ونواف سلام وفريقهما، وتتيح القول إنه ممنوع فشلهم خلال هذه الفترة القصيرة، والمهم ألاّ تخرب إسرائيل مجدداً وتقضي على الأمل كما كل مرة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى