
كتب مصطفى شهاب :
كم أود لو أن القادة والزعماء وكل الساسة العرب لا يذهبون إلى واشنطن للقاء الرئيس الأميركي القديم الجديد، وان لا يستقبل هو وكل اركان إدارته في أي من الدول العربية؛ لن ترامب ينطبق عليه المثل المشهور تيتي تيتي زي ما رحتِ زي ما جيتي، وقد يكون من الأفضل القول تيتي تيتي أسوأ مما رُحتِ جيتي. فهذا الرجل البلطجي يمارس الاستكبار الأميركي على مستوى العالم، وليس فقط علينا كعرب. وعليه فكم أتمنى أن يتنبه العالم، كل العالم بشكل لا لبس فيه إلى خطورة هذا الرجل الذي كدت أكون على يقين بأنه يتعاطى المارجوانا أو أي نوع من أنواع الحشيش كلما نفخ أوداجه ليتحفنا بتصريحاته.
وإحساسي بأن الرئيس ترامب يمكن أن يكون مكيفا دماغه، ناجمٌ عن التناقضات التي تتجلى في تصريحاته في نفس الجلسة، وعن النمط المسرحي الذي يستعرض فيه أفكاره، وهو بالتأكيد لو لم يكن ابن مليونير لكان قد اقتحم عالم السينما -وقد فعل- ككومبارس ليس أكثر.
مشكلتنا مع الرئيس الأميركي هو أنه رئيس أميركا، وهو لذلك يَفترِضُ أنَّ على العالم -كل العالم- أن يصغي لإملاءاته حين يتحدث؛ بغض النظر عن ما فيها من تُرَّهات وتناقضات، وبغيٍ وعدوان، وصل إلى محاولته مَحوَ شعبٍ كاملٍ من خارطة الديموغرافيا البشرية. فهل حقا أن العالم عاجز عن مجابهة ترامب، وإيقافه عند حده.
بعيدا عن فلسطين وشعبها وقطاع غزة الذي يريد أن يطرد أهله منه ليقيم فيه (لؤلؤة) الشرق الأوسط، ليبيع ما سيشاد من أبراج فيها لمن هب ودب؛ باستثناء الفلسطينيين أصحاب الأرض. أقول بعيدا عن فلسطين وقضيتها وشعبها، بات الرجل كتلة شر يقذف بحممه في كل اتجاه، وبات يلعب في العالم دور بلطجي الحارة في انتظار أن يأتي فتوة شهم ليعلمه الأدب، تماما كما هو حال من عاصروا أفلام وحش الشاشة الفتوة الشهم فريد شوقي في مواجهة الشرير محمود المليجي وعصابته. فهل من فتوة عربي يمكن أن يوقف شر هذا الشرير الذي بات رئيس وزراء دولة الكيان يضرب بسيفه ليملي بدوره على المنطقة العربية ما يشاء.
لا أدري كم مضى على مقال قديم لي تحت عنوان “مصر تعود لمواجهة ما عليها من استحقاق”، كنت وما زلت على يقين بأن هذا لا بد أن يحدث-لإدراكي للدور الوظيفي ولطبيعة الكيان الصهيوني-، وقلت حرفيا في ذلك المقال: إن مصر ستجد نفسها مضطرة لمحاربة (إسرائيل) ليس دفاعا عن فلسطين، وهو واجب قومي وديني عليها، ولكن دفاعاً عن أمنها الوطني. كما دعوت أكثر من مرة الدول العربية وبشكل خاص دول المشرق العربي إلى ضرورة التنبه إلى خطورة هذا الكيان، وأن كل عمليات التطبيع معه، كما اتفاقات السلام السابقة لن تجدي فتيلا. فدولة الكيان الصهيوني كانت مشروعا إمبرياليا صليبيا أوروبيا في بادئ الأمر، ولكنها تحولت بفعل الدعم الأميركي تحديدا، ومنذ تسيد المحافظين الجدد الذين يمثلهم ترامب إلى مشروع صهيوني ذاتي الأهداف، يؤمن ويسعى لإقامة الإمبراطورية اليهودية التي تمتد من النيل إلى الفرات، وقد تصل إلى المدينة المنورة، مستغلة حال الفرقة والتمزق التي تعيشها الدول العربية ككيانات ضعيفة لا تملك أي منها من القوة ما تستطيع به أن ترد العدوان عنها.
أيها السادة في وطننا العربي، قادتنا المبجلين، وأنتم تستعدون لعقد قمتكم الموقرة، ماذا أنتم فاعلون؟ في المؤتمر الصحفي بالأمس بين العاهل الأردني وترامب لم أسمع كلمة فلسطين، ولا الشعب الفلسطيني. وهذا الشعب الذي ابتليتم به، قدَّم ويقدم وعلى استعداد أن يواصل التضحية في خط الدفاع الأول عن أمته على أرض فلسطين، وليس هناك حدود لمدى تضحياته، ولكن ما هو دوركم؟ ما هو موقفكم إن قرر ترامب ونتنياهو محاصرة الشعب الفلسطيني في غزة، ومنع دخول الغذاء والدواء والماء وكل مقومات الحياة لدفعه بقهر جوع وعطش أطفاله بالقوة إلى الهجرة؟ هل أنتم جاهزون لضخ المساعدات الإنسانية التي لا بد من توفرها لدعم صموده؟ وهل يمكن للشقيقة الكبرى مصر، أن تفرض فتح معبر رفح لإدخال هذه المساعدات؟ ماذا لو أعلن نتنياهو، بتأييد ودعم من الأخرق ترامب ضم الضفة الغربية إلى دولة الكيان، وهو لن يفعل قبل أن يتخلص من الجزء الأكبر من أهلها الفلسطينيين. فماذا أنتم فاعلون؟
إن صياغة موقف عربي قوي لم يعد ترفاً بعد أن بات الخطر الصهيوأميركي ماثلا يطرق أبواب الجميع.
إن حشد موقف دولي وأممي لمواجهة ترامب ونتنياهو بات أمرا ضروريا.
إن دعوة كل الدول المتضررة من تغول ترامب إلى مقاطعته فلا يَزور ولا يُزار؛ بدءا من الدول العربية والإسلامية ودول عدم الانحياز -إن بقي منها بقية- قد يكون أمضى سلاح يرفع في وجهه.
كما أن رفع دعوى تطهير عرقي ضد ترامب أمام محكمة الجنايات الدولية بات مسألة ملحة.
إن وضع هذا الرئيس الأخرق على قائمة المطلوبين بات ضروريا؛ كي يعلم وتعلم الإدارة الأميركية أن لا أحد فوق القانون الدولي.
بل إن نقل مقر الأمم المتحدة نهائيا من نيويورك إلى جنيف بات مطلبا عادلا، بعد أن ضرب ترامب بالهيئة وكل منظماتها الفرعية، وما يصدر عنها من قرارات عرض الحائط.
إن تفعيل وإحياء قرارات القمم العربية المجمدة كاتفاقية الدفاع العربي المشترك بات في هذه الأيام ضروريا، أكثر من أي وقت مضى.
إن العمل العربي المشترك ليس ترفا، بل بات أكثر إلحاحا. فرطنا بالعراق القوي، وها هي سوريا أضعف من أن تحمي حدودها، وباتت دولة الكيان تعربد في المنطقة، ولأن الأمر كذلك، فإن موقفا عربيا موحدا وصارما برفض ومواجهة مخططات ترامب وتابعه في تل أبيب قد يوقظ هذان المأفونان من إحلامهما الدون كيشوتية. فهل أنتم فاعلون؟ أسأل، وكل الأمة الله لكم التوفيق.