سلايدات

خطّة ترامب: ترانسفير على البارد

كتب وليد صافي في اساس ميديا :

لطالما كُتب عن الأهداف الإسرائيلية لتهجير الفلسطينيين وتحطيم الأسس المتعلّقة بحلّ الدولتين، ويبدو أنّ هذا المسار قد صار حاضراً بشكل واضح في عقول غالبيّة الإسرائيليين وقلوبهم بعد السابع من أكتوبر (تشرين الأوّل) من عام 2023. إذ إنّ استطلاعات الرأي في إسرائيل تشير إلى أنّ الغالبيّة تؤيّد تهجير الفلسطينيّين.

أظهر استطلاع للرأي أجرته القناة الـ 12 الإسرائيلية، أنّ “أغلبيّة الجمهور الإسرائيلي تؤيّد خطّة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لتهجير سكّان غزة إلى دول أخرى، لكنّ نصف المشاركين يتشكّكون في إمكان تنفيذها على أرض الواقع، ويرغبون في تنفيذ المرحلة الثانية من صفقة تبادل الأسرى”.

موقف رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية اللواء شلومو بيندر، الذي حذّر من تصعيد أمنيّ في المناطق المحتلّة ودول عربية ردّاً على خطّة ترامب، لم يحدث تأثيراً في الاتّجاه السائد في تأييد الخطّة على المستويين الشعبي والرسمي. إذ يتعامل نتنياهو وحكومته مع خطّة ترامب لترحيل الفلسطينيين بصفتها من أهمّ الأثمان الجيوسياسية التي تحصل عليها حكومة إسرائيلية في تاريخ الصراع العربي – الإسرائيلي.

لطالما كُتب عن الأهداف الإسرائيلية لتهجير الفلسطينيين وتحطيم الأسس المتعلّقة بحلّ الدولتين، ويبدو أنّ هذا المسار قد صار حاضراً بشكل واضح في عقول غالبيّة الإسرائيليين

في هذا الإطار كتب ألوف بن في صحيفة هآرتس مقالة بعنوان: “لا تستخفّوا بهم. ترامب ونتنياهو وكاتس يحقّقون إرث مئير كاهانا”. جاء في المقالة: “من السهل الاستخفاف بوزير الدفاع يسرائيل كاتس، بفمه الكبير ومشيته المتثاقلة وهو يرتدي السترة الواقية، وصورته شخصيّةً أمنيّةً هبطت من كوكب آخر مقارنةً بالجنرالات الذين سبقوه، لكنّ من الخطأ الاستخفاف بالأوامر التي وجّهها إلى الجيش يوم الخميس الماضي بالإعداد لخطّة “خروج طوعي” للفلسطينيين من قطاع غزة، مستوحاة من مبادرة الرئيس الأميركي دونالد ترامب”.

أضاف: “هذه هي المرّة الأولى التي تعلن فيها إسرائيل خطّة عمليّة لتهجير العرب من المناطق التي احتلّتها، ومن الآن أصبح الترانسفير سياسة الحكومة”. لم يتورّع كاتس عن توجيه تأنيب إلى رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية على موقفه الحذر من خطّة الترحيل وتداعياتها، وتذكير ضبّاط الجيش الإسرائيلي بأنّ “الموافقة على الترحيل هي الطريق إلى الترقية في السلك”.

إرث “كاهانا” يتحقّق؟ 

ليست فكرة الترحيل الطوعي جديدة، بل عبّر عنها أكثر من مسؤول يمينيّ في حكومة نتنياهو، وتخفي وراءها “فكرة الترانسفير” التي تعمّقت في ثقافة الإسرائيليّين ووعيهم. وفي تأكيد العلاقة الوثيقة بين ما يفكّر فيه الإسرائيليون وما يطرحه ترامب المنسجم تماماً مع إرث كاهانا بطرد الفلسطينيين، كتب آلوف بن أيضاً: “في الواقع، أطلق ترامب الرغبات الخفيّة لكثير من اليهود الإسرائيليين الذين لا يؤمنون بإمكان الحياة المشتركة مع العرب على القطعة نفسها من الأرض. بالنسبة إلى اليمين، فالأمر “إمّا نحن وإمّا هم”. وأمّا بالنسبة إلى اليسار، فالأمر “نحن هنا وهم هناك”. وكما قال لي أحد زعماء اليسار الصهيوني قبل أعوام: “في قلب كلّ واحد منّا يوجد كاهانا، وكلّ الباقي هو تعليم”.

ليست فكرة الترحيل الطوعي جديدة، بل عبّر عنها أكثر من مسؤول يمينيّ في حكومة نتنياهو، وتخفي وراءها “فكرة الترانسفير” التي تعمّقت في ثقافة الإسرائيليّين ووعيهم

استند بن إلى استطلاعات الرأي لتأكيد هذا الكلام، إذ اعتبر أنّه “منذ اللحظة التي جعل فيها ترامب الكلام عن التطهير العرقي أمراً طبيعياً، باتت هناك أغلبية ساحقة من اليهود في إسرائيل تريد طرد الفلسطينيين من هنا”.

أكّد بن أيضاً أنّ برنامج عمل حكومة نتنياهو يتضمّن رؤية مئير كاهانا لترحيل الفلسطينيين، وبرأيه تستند هذه الرؤية إلى ما كان يصرّح به كاهانا من أنّه “يوجد تعارض مطلق وتناقض كامل بين مفهوم الصهيونية ودولة اليهود وبين مفهوم الديمقراطية الغربية”، وتستند إلى القول: “دولة السيادة اليهودية هي دولة اليهود، وهم وحدهم أصحاب البيت… ولا يحقّ لغير اليهودي التدخّل في القرارات الوطنية التي تحدّد مصير دولة إسرائيل القومية”. وخلص الكاتب إلى القول إنّ الحلّ الكاهانيّ هو الترانسفير: “ليعيشوا كلّهم في بلدانهم… ليعيشوا هناك في حبّ وأخوّة مع إخوانهم، التعايش العربي، لكن ليس هنا”. فعليّاً هذه مسوّدة مبادرة ترامب”.

العين على سيناء لتحقيق التّرانسفير 

غيورا آيلاند الجنرال الإسرائيلي المتقاعد الذي ذاع صيته في الدراسات والأبحاث والخطط التي تهدف إلى ترحيل الفلسطينيين ومحو ذكرهم، والذي أعدّ لنتنياهو وحكومته خطّة التهجير من شمال غزة، برّر خطّة ترامب مستخدماً نظريّة الأراضي الصحراوية الخالية من السكّان. تساءل آيلاند بوقاحة في مقالته في صحيفة يديعوت أحرونوت بعنوان “خطّة ترامب أكثر من منطقيّة”، عن “المنطق” في طرح إسكان 15 مليون فلسطيني وإسرائيلي في المساحة الجغرافية الممتدّة بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط. وكتب: “إذا نظرنا شرقاً، فسنرى الأردن، دولةٌ معظم أراضيها صحراوية غير آهلة. وإذا نظرنا جنوباً، فسنجد غرب سيناء، صحراءٌ أكبر من مساحة دولة إسرائيل بثلاثة أضعاف، ويعيش فيها 600 ألف شخص فقط. أمّا جنوب إيلات، فتوجد أراض صحراوية واسعة، اسمها السعودية. وسيسأل الفضائي: لماذا أنتم البشر مهووسون بحلّ الدولتين، ولا تدّعون فقط أنّه الحلّ الأفضل، بل تدّعون أيضاً أنّه الحلّ الوحيد؟”. وكي يبرّر آيلاند الدعوة إلى تهجير الفلسطينيين ادّعى في مقالته أنّ الافتراضات الأربعة التي يستند إليها حلّ الدولتين “لم يتمكّن أحد من تأكيد أنّها مسلّمات لا تقبل الجدل”. وهذه الافتراضات هي:

  • سيكون حلّ الصراع جغرافيّاً داخل المنطقة الضيّقة بين النهر والبحر.
  • يجب أن يتضمّن الحلّ دولة فلسطينية مستقلّة.
  • يجب أن تكون الضفّة الغربية وغزّة جزءين في هذه الدولة.
  • الحدود بين إسرائيل وفلسطين ستستند إلى حدود سنة 1967 (مع تغييرات بسيطة).

خلص آيلاند إلى القول إنّ الحلول القائمة على هذه الافتراضات قد فشلت، وإنّ الحلّ يكمن في نقل الفلسطينيين إلى صحراء سيناء التي تشكّل مساحتها 167 ضعف مساحة غزة، مستنداً إلى أنّ “75%؜ من فلسطينيّي غزة لديهم بطاقة لاجىء، وتجربة نزوح أكثر من مليونَي أوكراني يعيشون حالياً في بولندا ومولدوفا”.

آيلاند: الحلّ يكمن في نقل الفلسطينيين إلى صحراء سيناء التي تشكّل مساحتها 167 ضعف مساحة غزة

ترامب و”بالون الاختبار”

على الرغم من النشوة العارمة في إسرائيل والارتياح الكبير لدعوة ترامب إلى ترحيل الفلسطينيين من غزّة، ثمّة من يتعامل مع هذه الخطّة كهديّة لحكومة نتنياهو اليمينيّة بهدف وقف الحرب في غزة.

في هذا الإطار، نشرت صحيفة معاريف مقالة لدان بيري بعنوان “اقتراح ترامب بشأن غزّة: قنبلة سياسية أم وهم خطِر؟”، كتب فيها: “اقتراح الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن نقل سكّان غزة إلى دول أُخرى وسيطرة الولايات المتحدة على القطاع هو بمنزلة هديّة لرئيس الحكومة نتنياهو ولليمين الإسرائيلي المتطرّف الذي هدّد بإسقاط الائتلاف، والآن سيكون من الصعب عليه تنفيذ تهديداته، حتى لو توقّفت الحرب”.

تابع الكاتب كلامه بالقول إنّ الإعلان عن سيطرة الولايات المتحدة الأميركية على غزة أو إعادة بنائها بطريقة فاخرة، “هذا الكلام، سواء أكان وهماً أو غير مدروس، فإنّه كان بمنزلة إلقاء قنبلة”. وتساءل الكاتب: هل هذا الاقتراح هو خدعة لتعزيز الائتلاف الحكومي، أم فيه شيء حقيقي؟

على الرغم من النشوة العارمة في إسرائيل والارتياح الكبير لدعوة ترامب إلى ترحيل الفلسطينيين من غزّة، ثمّة من يتعامل مع هذه الخطّة كهديّة لحكومة نتنياهو

في إطار التساؤل عن الغاية الحقيقية لإعلان ترامب المثير للجدل كتب يوسي هدار مقالة في معاريف بعنوان “خطّة إعادة توطين الغزّيين أكبر إلهاء سياسي في التاريخ في إسرائيل”: “على الرغم من الوقع الفظّ لكلمة ترانسفير، فإنّه ليس هناك مَن يعارض فكرة خروج غزة مرّة واحدة وإلى الأبد من (حياتنا)، وخصوصاً بعد 7 أكتوبر (تشرين الأول). فالإسرائيليون بعد “المذبحة” غاضبون ويعتقدون أنّ على الفلسطينيين أن يدفعوا ثمناً غالياً، وهم يريدون أن يختفي الفلسطينيون في الضفّة الغربية أيضاً. لكن يبدو أنّ البالون الكبير الذي أطلقه ترامب في الهواء هو بالون اختبار لا أكثر، بالون تهديد كبير في محاولة لإسقاط حكم “حماس” في غزة من دون قتال. وليست هناك نيّة حقيقية لتهجير جماعي لقرابة مليونَي إنسان”.

يرى البعض في إسرائيل أنّ البهجة العارمة التي يتظاهر بها اليمين المتطرّف حيال خطّة ترامب، الهدف منها تغطية واقع صار معروفاً أنّ خطّة الرئيس الأميركي لا تتضمّن فقط استعادة المخطوفين، بل وقف الحرب، وهذا ما يتناقض كلّياً مع أهدافهم المعلنة والمضمرة.

البرودة التي يبديها نتنياهو إزاء انطلاق المرحلة الثانية من الخطّة، وتصريحاته المستهجنة بإقامة دولة فلسطينية على الأراضي السعودية، تعبّر عن المأزق الذي يمرّ به ومخاوفه من ضغوط ترامب للانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتّفاق. الأشهر المقبلة كفيلة بتوضيح حقيقة خطّة ترامب التي تعارضها بشدّة الدول العربية والإسلامية، لا سيما المملكة العربية السعودية التي أكّدت قبل تصريحات نتنياهو وبعدها بصورة حازمة أنّ الطريق إلى السلام هو في قيام حلّ الدولتين، وبمعرفة ما سيؤول إليه مستقبل نتنياهو وائتلافه الحكومي المتطرّف في ضوء إصرار ترامب على وقف الحرب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى