
كتبت: كفا عبد الصمد
اذا كان الشيطان يكمن في التفاصيل، لا شك ان شيطانها تملك من شخصية عدلى حتى اخرج منها ابداع حوله الى قنبلة موقوتة تحتاج الفرصة المناسبة التي تستحقها لتكشف عن انيابها الفنية الشرسة وتقول انها نجمة ساطعة وموهبة لا يمكن أن تمر مرور الكرام..
قدمت سينتيا كرم على مر سنوات الكثير من الأعمال ولمع نجمها على اعتاب المسارح، لكن دورها في مسلسل بالدم هذا العام جعلها تسلك طريقا مختلفة نحو نجومية من نوع آخر.. قد يعتبر البعض أن تقديم شخصية عدلى سهل لاي ممثل يجيد اللعب خلف شخصيات كتبت على ورق، لكن ما يختلف فيما قدمته سينتيا، تلك التفاصيل الهاربة من شخصيات واقعية تصادفها في يومياتك وقد لا تتنبه لوجودها، شخصيات وجدت في الحياة لتعلمك درسا او توصل رسالة مرّة لكنها حقيقية، تؤكد بان الحياة لا تكون دائما عادلة وفي أحيان كثيرة تمر وجوه في هذا العالم البغيض لتدفع ثمن جشع الآخرين وسلطتهم غير المبررة..
حين قررت سينتيا كرم ان تترك شيطانها يعبث بتفاصيل الشخصية التي تقدمها، ابدعت بل سحرت كل من تابعها، ليس فقط في الحفاظ على الملامح الخارجية للشخصية من ملابس وشعر وتصرفات، بل درست ادق التفاصيل سواء تلك الخاصة باللكنة او بحركة اليدين وطريقة المشي وعبثية التصرف، فكانت النتيجة شخصية عدلى التي ستتحول مع الوقت الى حقيقة ملموسة تثبت ان الممثل ليس مجرد مؤدي يحفظ دوره ويلقيه بل هو حالة متكاملة من الشكل الى النطق فالتصرف والاحساس، وهذا ما ابدعت فيه سينتيا حين نجحت في محاكاة وجدان كل من تابعها. انت كمشاهد تعاطفت معها حين كانت مجرد فتاة “هبلة” يجري خلفها صغار الحي تعيش في عالم تختصره دمية صغيرة تحتضنها بين يديها، اقنعك اداءها الملفت قبل أن تتعرف الى تفاصيل شخصيتها وما الذي أوصل بها الى هذه الحال، صدقت بكاء عدلى وهي تدافع عن حبها وتخاف من قصاص الدكتورة آسيا ولية نعمتها، وتأثرت بحبها الصادق وربما ضحكت في صمتك انت أيضا على هبلها، لكن وبعد تعدد مشاهدها في المسلسل تتأكد أنك أمام حالة فنية كانت مخبأة ربما أو لعلها مغيبة لأنها قادرة على احداث الفرق وتحقيق نجاح لا يستحقه كثيرون..
تستوقفك مشاهدها وتأخذ نفسا عميقا وانت تفكر هل هو فعلا تمثيل، ام أن شخصية سينيتا الصادقة والحقيقة والشفافة انعكست على اداءها دور عدلى وكانت النتيجة هذا الابداع.. لا اتحدث بمنظار نقدي انما انقل تفاعل الشارع مع عظمة الأداء التي قدمته سينتيا كرم في هذه الشخصية المركبة والصعبة، اكتب وترتسم ي مخيلتي صورتها وهي تداعب دميتها :غدي:، وهي تحاكيه بوجدان أم لم تمنعها بساطتها من أن تلعب دورها على أكمل وجه، افكر في حركة يديها وهي تحميه وتفرك وجهه وتضمه الى صدرها وتطمئن على قدمه التي ظنت أنها كسرت، كم كانت حقيقة صورة الام التي جسدتها في تلك المشاهد مع دمية، فهي لم تحتاج الى طفل بين بيديها حتى تخرج هذا الكم الفائض من المشاعر الصادقة والحقيقة بل اكتفت بالوهم لتبني امومة كاملة على انقاض دمية مشوهة..
بعيدا عن نجاح المسلسل او فشله، واقعية القصة أو عدمها، هناك حقيقة يجب الاعتراف بها، مسلسل بالدم هذا العام كشف عن قدرات تمثيلية مخيفة لنجوم الشاشة اللبنانية، ورفع مستوى الدراما الى مكانة مختلفة، واكد أن القصة لا يمكن أن يلمع بريقها الا اذا وجد من يجسدها بهذه الواقعية وهذا الصدق، ولا اقصد سينتيا في دور عدلى فقط بل اللائحة تطول، كل شخصية تأخذ موقعها المناسب وتؤدي دورها بكثير من الشفافية والمهنية العالية..
سينتيا كرم ما زال في جعبتك الكثير وانا اعلم جيدا، لا تنقصك سوى الفرصة المناسبة لتكوني الرقم الصعب كما كنت في هذا العمل ولا شك أن أداءك المبهر والمخيف كان سببا من أسباب جلوس المشاهدين لمتابعة العمل بغض النظر عن تفاصيله، انت اليوم الرقم الصعب واذا كنا نريد بناء دراما لبنانية منافسة علينا استثمار هذه الطاقة المجنونة التي تمتلكينها كي نقدم للمشاهد جمال محكوم بإبداع من نوع آخر..
سينتيا كرم ارحمي من في الارض يرحمك من في السماء..
كل الحب وبانتظار المزيد.