سلايدات

هل تقدّمت “الخماسية العسكرية” على نظيرتها “الديبلوماسية”؟

كتب جورج شاهين في الجمهورية :

على وقع مجموعة التطوّرات الدموية في الساحل السوري، وما تلاها من تفاهمات سياسية معاكسة في الشمال والجنوب ومعها حال المراوحة على الساحة الفلسطينية، فوجئت الساحة اللبنانية بمجموعة من الخطوات الإيجابية التي قادتها الخماسيتان الديبلوماسية والعسكرية اللتان أوحتا بانفراجات محتملة دفعة واحدة لمجرّد إطلاق المساعي الهادفة للإنتقال من مرحلة “وقف العمليات العدائية” في الجنوب إلى ما تقتضيه “ظروف تطبيق القرار 1701” بما فيها إخلاء المواقع المحتلة. وعليه ما هي المؤشرات التي تقود إلى هذه المعادلات؟

على قاعدة ما كشفه الهيثمي في “مجمع الزوائد” (8/195) عن “معاذ بن جبل” الذي نقل نصيحة الرسول بأن “استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان” بعيداً من كل مظاهر المزايدات السياسية والحزبية السائدة، نجحت الضغوط الكبرى التي قادها رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون بصمت مطبق طوال الأسابيع القليلة الماضية من أجل تفكيك مجموعة الألغام التي يواجهها العهد في بداياته، ولا سيما منها تلك الناشئة من الخروقات الإسرائيلية في الجنوب وعلى مساحة لبنان، بعدما استباحت الـ 10452 كيلومتراً مربعاً، وتعدّتها إلى الأراضي السورية من النقاط الحدودية والمعابر الشرعية وغير الشرعية مع لبنان حتى عمقها تجاه دول الجوار الأخرى من الأردن إلى تركيا والعراق، بعدما تعهّد أهل الحكم باللجوء إلى الخيارات الديبلوماسية والسياسية بدلاً من العسكرية التي كان “حزب الله” قد قاد البلاد إليها، وما انتهت إليه من نكبات طاولت عموم الشعب اللبناني بكل فئاته ومناطقه.

إنطلاقاً من هذه المعادلة وما يمكن أن يقود التعمّق فيها من مختلف جوانبها الإيجابية المحتملة، توقفت المراجع السياسية والديبلوماسية أمام مجموعة الانفراجات الأخيرة السياسية منها والاقتصادية والإنمائية، وخصوصاً تلك التي ترجمتها الخماسية الديبلوماسية بمعاودة تحرّكها على أكثر من مستوى، داعية إلى إطلاق مجموعة الإصلاحات السياسية والإدارية والمالية المطلوبة التي تُمهِّد للخطوات المقرّرة على طريق التعافي الاقتصادي والسياسي والاجتماعي التي يُمكن أن تسهم في استدراج الاستثمارات الخارجية التي لا يمكن ضخّها في القطاعات اللبنانية الحيوية إلّا في ظل أجواء من الشفافية والحوكمة الرشيدة والقضاء المستقل الضامن لأي استثمار خارجي، قبل التورّط في أسواق لبنان التي عشّش فيها الفساد. فما لدى المراجع الديبلوماسية من تقارير تتحدّث عن حال الفساد والرشوة والإثراء غير المشروع في البلد لا تمتلكه أي جهة إدارية أو قضائية أو أي مجموعة أو مركز دراسات، وهو ما يمكن تلمّس نتائجه في التعيينات المنتظرة في عشرات المواقع الإدارية والمالية والهيئات الناظمة بعد إقفال ملف التعيينات العسكرية الشاملة اليوم.

 

إلى هذه المعطيات، فقد كشفت المراجع المعنية أنّ الحراك الذي أحيَته “الخماسية الديبلوماسية” لم يكن عزفاً منفرداً، ولن يقتصر على لقاءاتها المتجدّدة كفريق عمل واحد وموحّد مع كل من رئيس الجمهورية ورئيسَي مجلس النواب والحكومة. لا بل فهي تُعبّر في حركتها الجديدة عن قرار قد اتُخذ بتوسيع مروَحة المساعدات التي يمكن أن تساعد اللبنانيِّين في تجاوز مظاهر النكبة التي عاشوها على مدى عام ونصف عام من الحرب، ونتائجها الكارثية على مختلف مستويات حياة اللبنانيِّين ووجوهها. وهي قرّرت على ما يبدو في بداية العهد الجديد أن تُطلق برامجها كاملة، فكانت الزيارة التي يقوم بها وفد صندوق النقد الدولي لبيروت، على رغم من الخطوات السابقة التي رافقت تفكيك فريقه ونقله من لبنان قبل إعادة تكوينه مجدّداً عقب التطوّرات السياسية والدستورية التي أعادت تكوين السلطات اللبنانية، والتي لا يمكن خوض أي تجربة معها في غياب رئيس للجمهورية وحكومة كاملة المواصفات الدستورية. فكانت الجولة التي باشرها الفريق على المسؤولين اللبنانيِّين للتعبير عن وجود قرار بإحياء خدماته المجمّدة منذ أكثر من ثلاثة أعوام تلت التوقيع في القصر الجمهوري على التفاهم الذي بقي على مستوى “كبار الموظفين” في 9 نيسان العام 2022. وكل ذلك يجري في مرحلة يستعد فيها اللبنانيّون للمشاركة في مؤتمر دعم لبنان الذي تستضيفه باريس قريباً لمساعدته ومؤسساته العسكرية والأمنية والإدارية بدعم سعودي تُحضِّر له العاصمتان معاً، والتي أعادت باريس تكليف السفير بيار دوكان إدارته. فهو مَن وضع الخطوات الأولى للمؤتمرات التي لم تُعقد في وقت سابق وجُمِّدت. فهي خطة رغب الفرنسيّون في أن تكون متكاملة مع الاستعدادات على مستوى الاتحاد الأوروبي لتجاوز الوضع القائم في لبنان والتأسيس لمرحلة جديدة من حيث انتهت المرحلة السابقة.

إلى حراك “الخماسية الديبلوماسية”، لا تُخفي المراجع المعنية الربط بين مستجداته وبين الخطوات المفاجئة التي حققتها “الخماسية العسكرية”، ولا سيما منها التي أنجزتها مطلع الأسبوع الجاري بالإفراج عن عدد من الأسرى لدى الجانب الإسرائيلي، بعدما تجاوزت الأحداث مواعيد سابقة كانت قد حُدِّدت لهذه الغاية. وهي لم تقف عند حدود هذه الخطوة التي كانت منتظرة في المهلة الممددة من 27 كانون الثاني الماضي إلى 18 شباط. ولكنّ أهمّيتها لا تقف عند معناها بنحو محدّد لا بل فهي شكّلت الشرارة الأولى لانطلاق أكثر من فريق عمل قد يكون سياسياً وعسكرياً وديبلوماسياً يتناول المرحلة الثانية من مساعي إنهاء الحرب في لبنان. وهو ما ترجمه البيان الفرنسي – الأميركي ومعهما “اليونيفيل” في اتجاه “المضي قدماً في التنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن 1701، والتنفيذ الكامل لاتفاق وقف الأعمال العدائية المبرم في 26 تشرين الثاني 2024 والخطوات التالية لمعالجة القضايا العالقة بين إسرائيل ولبنان”، كما قال البيان الذي رافق الإفراج عن الأسرى اللبنانيِّين في السجون الإسرائيلية.

 

وبناءً على كل ما تقدّم، تنتهي المراجع السياسية والديبلوماسية إلى التأكيد على أنّ المجتمع الدولي ممثلاً بالخماسيّتَين الديبلوماسية والعسكرية، سيواكب العهد الجديد بتوجّهاته المختلفة عن الماضي واللجوء إلى نقيضها في السياسة والأمن والديبلوماسية والاقتصاد، في انتظار أن يُترجم العهد الجديد ثوابته التي تعهّد بها من أجل عودة كاملة إلى المجتمعَين العربي والدولي وإخراج لبنان من المحور الذي اقتاده إلى الحرب، في مرحلة يُرسم فيها شكل جديد لأنظمة المنطقة، وما يمكن أن تكون له من انعكاسات يُعتقد أنّها ستكون إيجابية.

وعليه لم يَعُد مهمّاً الحديث عن سباق أو تنافس بين هاتَين “الخماسيّتَين” بمقدار ما هو متوافر، ممّا يوحي بالتكافل والتضامن بينهما. وهو أمر لا تكتمل فصوله بما فيها من إيجابيات محتملة ما لم يلاقهم اللبنانيون بالمثل، فهل هم قادرون أم عاجزون؟ ذلك أنّ الجواب للتثبت من هذا الخيار أو خلافه ما زال قيد البحث وإلى أجل غير منظور من اليوم، لعله يتوافر قريباً.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى