
كتب وليد شقير في اساس ميديا :
تختلف الذكرى الـ48 لاغتيال كمال جنبلاط في 16 آذار هذا العام عن سابقاتها. في السنوات السابقة تحوّلت الذكرى مع الوقت إلى واحد من لائحة التواريخ التي تُسجّل الاغتيالات التي نُفِّذت في عهد الأسد الأب والابن.
المقصود من الحشد الشعبي المنتظر على الضريح يتعدّى هذه السنة ساحة لبنان إلى سوريا. الرسالة هي حضّ دروز بلاد الشام على رفض المحاولات الإسرائيلية للتطبيع مع رموز الطائفة في السويداء والقنيطرة. الهدف تشجيع التيّارات الرافضة لأشكال الإدارة الذاتية لمناطقهم، على الاندماج مع التحوّل السياسي الكبير منذ 8 كانون الأوّل الماضي، تحت مظلّة الإدارة الجديدة لسوريا بقيادة أحمد الشرع.
يلجأ الساعون إلى التدقيق بمدى تأثير الزعامة الجنبلاطية في جبل العرب السوري إلى رواية العضو القيادي في الحزب الاشتراكي الطرابلسي توفيق سلطان عن مرافقته جنبلاط خلال زيارته سوريا عام 1977، عقب إحياء أربعين والده. وهي الزيارة التي شملت سلطان باشا الأطرش في السويداء. تشير رواية توفيق سلطان إلى أنّه بُعيد وصول جنبلاط والوفد إلى دار المحافظة في بلدة القريّا، وأثناء اللقاء مع سلطان باشا الأطرش، سُمع رشق رصاص في الخارج، وتبيّن أنّ الرصاص أُطلق في الهواء احتجاجاً على جلوس محافظ السويداء على يمين سلطان باشا الأطرش وإجلاسه جنبلاط على كرسي بعيد. كانت للأمر رمزيّته بالنسبة إلى مناصري سلطان باشا. اقتضى الأمر لاحقاً أن يبلغ حافظ الأسد جنبلاط أنّه نقل المحافظ عقاباً.
يروي الاشتراكي المخضرم توفيق سلطان للدلالة على أنّ كلمة آل جنبلاط مسموعة في السويداء، أنّه أثناء التهيّؤ لالتقاط الصورة التذكارية مع سلطان باشا، لاحظ الأخير أنّ جنبلاط وقف خطوة إلى خلفه، فبادره بالقول: “لاه يا وليد. نحن متّفقون (العائلات الدرزية) مع بعضنا منذ مئات السنين أنّه لا أحد يتقدّم عليكم. أنت ابن عمود السماء”.
المظاهر التي أظهرت مكانة الزعامة الجنبلاطية تطلّبت من رئيس الأركان السوري العماد حكمت الشهابي أن يبلغ جنبلاط، لاحقاً، بأنّ زيارته السويداء كانت الأولى والأخيرة.
تختلف الذكرى الـ48 لاغتيال كمال جنبلاط في 16 آذار هذا العام عن سابقاتها
تحلّ ذكرى 16 آذار اليوم بعد أقلّ من 100 يوم على سقوط النظام الأسدي، وبعد 11 يوماً على توقيف الأمن العامّ السوري اللواء إبراهيم حويجة في جبلة. فالأخير هو من نظّم ورتّب اغتيال قائد “الحركة الوطنية اللبنانية” والزعيم الدرزي كمال جنبلاط عام 1977.
الظروف تبدّلت… لكنّ المخاطر كامنة
للحشد الجماهيري مفعول يتعدّى شعور مناصري الزعامة الجنبلاطية بالثأر، وفق الشعار الذي يرافق المناسبة: “صبرنا وصمدنا وانتصرنا”. وهو الترجمة السياسية للاستعارة التي دأب وليد جنبلاط على تكرارها في العقود الماضية: “… إجلِس على حافة النهر وانتظر، وذات يوم سيحمل التيّار جثّة عدوّك”. في إحدى زياراته لسوريا طلب جنبلاط لقاء حويجة للتعرّف إلى قاتل والده، فاجتمع به.
بهذه الحكمة مارس جنبلاط غريزة البقاء والانحناء أمام العاصفة، بانتظار تبدّل الظروف. ها هي تبدّلت. لكنّها محفوفة بمخاطر تجدّد الحروب.
حسب بعض القياديين في الحزب التقدّمي الاشتراكي أنّ أكثر ما يخشاه جنبلاط هو مخطّط اليمين المتطرّف الإسرائيلي لتوسيع الشريط الأمنيّ العازل الذي تحتلّه إسرائيل على حدود سوريا وصولاً إلى جبل الشيخ مروراً بوادي التيم في حاصبيا وقرى الحافة الأمامية اللبنانية.
ادّعاء الحماية… والضّائقة الاقتصاديّة
إحدى وسائل بنيامين نتنياهو للتوسّع ادّعاء حماية دروز سوريا، لتبرير احتلال مناطق واسعة من محافظتَي السويداء والقنيطرة. يضاف إليها زعمه أنّه يستبق أيّ تهديد لأمن إسرائيل من حكّام دمشق الجدد للتمدّد إلى درعا.
للحشد الجماهيري مفعول يتعدّى شعور مناصري الزعامة الجنبلاطية بالثأر، وفق الشعار الذي يرافق المناسبة: “صبرنا وصمدنا وانتصرنا”
يرمي الحشد الشعبي في المختارة إلى تشكيل رافعة لرفض استخدام ادّعاء حماية الدروز وتخويفهم من تسلُّم “هيئة تحرير الشام” إدارة سوريا. فبعضهم ما زال يذكّر بالهجوم الذي شنّه مقاتلو “داعش” على قرى في السويداء عام 2015. ولدى هذا البعض هواجس من التطرّف السنّي تغذّيها الأجهزة الإسرائيلية لاستمالة جزء من دروز سوريا. تستغلّ الضائقة الاقتصادية فتسمح لدروز السويداء بالانتقال إلى العمل في الجولان السوري المحتلّ. وتغضّ النظر عن جمع دروز إسرائيل أموالاً لنقلها للمحتاجين من دروز سوريا (وبعض دروز لبنان). أكثريّة تيّارات وفصائل السويداء، التي شاركت في الثورة ضدّ بشار، رفضت تحالف الأقلّيات الإسرائيلي، وتفتيت المنطقة.
رافعة ضدّ مشروع نتنياهو؟
ينتظر أن تشكّل الذكرى الـ48 لاغتيال كمال جنبلاط حافزاً لمعاكسة سعي نتنياهو المتواصل إلى إغراء دروز سوريا بالحكم الذاتي. وهو ما تعارضه أكثريّتهم، خصوصاً أنّ وفوداً منهم التقت رئيس المرحلة الانتقالية أحمد الشرع، وخرجت مقتنعة بتوجّهاته لتكريس التعدّدية والتنوّع في الإعلان الدستوري. وأعقب ذلك تفاهمٌ أوّلي على تسيير إدارات الدولة في المحافظة، وعلى تشكيل جهاز الشرطة من أبنائها. وشكّل اتّفاق الشرع مع قائد “قوات سوريا الديمقراطية” مظلوم عبدي في الشمال على اندماج المكوّن الكردي في الدولة السورية ضربة للمشروع التفتيتيّ الإسرائيلي. أمّا مشايخ السويداء الثلاثة فحكمت الهجري بقي على رفضه لاتّفاق مع الحكم الجديد خلافاً للشيخين الآخرين اللذين تركا للقوى السياسية مسألة التفاهم مع السلطة الجديدة.
حسب بعض القياديين في الحزب التقدّمي الاشتراكي أنّ أكثر ما يخشاه جنبلاط هو مخطّط اليمين المتطرّف الإسرائيلي لتوسيع الشريط الأمنيّ العازل
يسأل كثيرون عمّا إذا كانت مصادفة دعوة الشيخ موفّق طريف في إسرائيل، المعروف بصلاته مع نتنياهو، مشايخ دروز في بلدة حضر السورية التي احتُلّت أخيراً إلى زيارة أحد المقامات الدينية في فلسطين المحتلّة في 14 آذار. وهو ما اضطرّ شيخ العقل في لبنان الدكتور سامي أبي المنى إلى تحذير دروز لبنان من “الانجراف العاطفي ومن تبعات المشاركة في المناسبة،… ورفع الغطاء بالكامل عن كلّ مخالف للتوجّهات”.
أعقب ذلك إعلان عائلات بلدة حضر استنكارها لزيارة بعض المشايخ لفلسطين المحتلّة بدعوة من “الجهات الموالية للاحتلال، وهؤلاء لا يمثّلون إلّا أنفسهم”. اعتبرت عائلات البلدة أنّ “إسرائيل تستغلّ الزيارة لزرع الانقسام، وتستخدم الطائفة الدرزية لتحقيق مصالح إسرائيل وأذرعها المختلفة، أي المرجعيّات”. ورأت أنّ الوفد المدعوّ إلى زيارة إسرائيل “استغلال سياسي رخيص لمحتلّ… وهو حلقة لدقّ إسفين بين مكوّنات الشعب السوري وبين الدروز”.