
كتب زيد بن كمي في الشرق الأوسط:
منذ عودته إلى البيت الأبيض، تبنَّى الرئيس الأميركي دونالد ترمب نهجاً سياسياً مغايراً وغير تقليدي في التعامل مع الملفات الدولية والأميركية، مرتكزاً على استراتيجيات الضغوط القصوى، والتفاوض الحاد، واستخدام ما تُعرف بـ«سياسة حافة الهاوية»، (Brinkmanship)، ونظرية الرجل المجنون (Madman Theory).
هذه النظرية، التي صاغها الرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون، تقوم على إظهار القائد كأنه مستعد لاتخاذ قرارات غير عقلانية ومتهورة، مما يدفع الخصوم إلى تقديم تنازلات خشية العواقب غير المتوقعة. استخدم نيكسون هذا الأسلوب في السبعينات لإقناع الاتحاد السوفياتي وحلفائه بأنه قد يتخذ قرارات خطيرة وغير متوقعة لإنهاء حرب فيتنام.
ترمب، بشخصيته المختلفة، أجاد توظيف هذه الأدوات في ملفات دولية عدة لتحقيق مكاسب أميركية أولاً، ومكاسب لحلفائه ثانياً. فعلى سبيل المثال، استخدم الضغوط القصوى مع بنما، حيث هدد باستخدام القوة للسيطرة على قناة بنما بحجة أن الأميركيين هم من بنوها وامتلكوها في البداية، وأن 40 في المائة من حركة الحاويات الأميركية تمر عبرها. ومع تصاعد المطالب الأميركية أعلن الرئيس البنمي خوسيه راؤول مولينو، انسحاب بلاده من مبادرة «الحزام والطريق»، لينجح ترمب في تقليص نفوذ الصين على القناة وإبعاد الاستثمارات الصينية منها.
لكن مع إيران، كان الوضع مختلفاً، فلم تقتصر الضغوط على الجوانب السياسية أو الاقتصادية، بل شملت استخدام القوة العسكرية، إذ أمر ترمب بشن ضربات على الحوثيين في اليمن، محذراً إيران من «عواقب وخيمة» إذا استمرت الهجمات الحوثية على ممرات الشحن الدولية. كما حمّل القيادة الإيرانية المسؤولية عن كل طلقة أطلقها الحوثيون، الذين لطالما دعمتهم طهران.
أما في ملف الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، فقد كان أكثر تعقيداً وإثارة للجدل، بخاصة مع مشروع «ريفييرا غزة»، الذي عدّه البعض محاولة لفرض واقع جديد في المنطقة. رأى منتقدو المشروع أن تصريحات ترمب حول إخراج سكان غزة أو إعادة توطينهم في أماكن أخرى كانت وسيلة ضغط لإجبار الفلسطينيين على قبول تسوية سياسية جديدة بعيداً عن «حماس»، مع منحهم حقوقاً اقتصادية محدودة بدلاً من دولة مستقلة ذات سيادة.
لكن هذا الطرح يأتي في سياق تنفيذ ترمب وعوده خلال ولايته الأولى، مثل نقل السفارة الأميركية إلى القدس، والاعتراف بضم إسرائيل للجولان السوري المحتل. أما اليوم، فالسؤال الذي يطرح نفسه: هل أطلق ترمب يد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لضرب «حماس» وجنوب سوريا وملاحقة فلول «حزب الله» في لبنان؟
على الرغم من أن سياسة حافة الهاوية قد تحقق نجاحات تكتيكية في بعض الملفات، فإنها غالباً ما تفشل في إيجاد حلول دائمة للنزاعات العميقة، مثل الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي. فمحاولات فرض حلول بالقوة لم تؤدِ إلا إلى مزيد من التشدد والرفض، مما جعل أي تسوية حقيقية أكثر تعقيداً واستعصاءً.
يمكن القول إن ترمب لم يكن يسعى إلى تحقيق سلام عادل، بل إلى فرض حل لإنهاء الصراع، لكنَّ هذا الحل لم يُسهم إلا في تعقيد القضية، وزيادة المأساة.