سلايدات

تفادياً لذهاب لبنان ضحيّة أحداث المنطقة!

كتب خيرالله خيرالله في اساس ميديا:

تكفي زيارة قصيرة للبنان هذه الأيّام، للتأكّد من صعوبة إحداث تغيير جذري في الوضع في المدى القصير. بل تكفي الزيارة للتساؤل: هل يوجد في السلطة من يستوعب الوضعين الإقليمي والدولي وما يشهدانه من تحوّلات لا بدّ من أن تكون لها انعكاساتها على لبنان وعلى وضعه الداخلي مستقبلاً؟

 

 

توجد علاقة قويّة بين قدرة لبنان على استيعاب ما يدور في المنطقة والعالم من جهة، والوضع الداخلي الذي يبدو في حال يرثى لها من جهة أخرى. من هذا المنطلق، يصعب الجزم بأن لا أمل في إعادة الحياة إلى لبنان، خصوصاً في ظلّ وجود جزر في بيروت وخارج بيروت تشير إلى أنّ ثقافة الحياة لم تمُت بعد، بل ما زالت تقاوم.

أكثر من ذلك، لا وجود لمؤسّسة حكومية واحدة ذات وضع يسمح بالقول إنّها مؤسّسة تليق ببلد يطمح إلى استعادة ماضيه القريب. الماضي القريب هو المرحلة التي شهدت المحاولة اليتيمة الهادفة إلى إعادة الحياة إلى البلد. كان ذلك بين عامَي 1992 و1998 حين استطاع رفيق الحريري، في ظروف إقليميّة في غاية التعقيد، تنفيذ جزء من مشروع الإنماء والإعمار الذي حلم به. حلم بالمشروع انطلاقاً من إعادة الحياة إلى وسط بيروت، لكن انطلاقاً أيضاً من أنّ السلام آتٍ إلى المنطقة بعد انعقاد مؤتمر مدريد أواخر عام 1991.

كان مطلوباً القضاء على هذا المشروع، في ضوء العقبات التي ظهرت على صعيد استمرار عملية السلام في المنطقة… وفي ضوء إصرار رفيق الحريري على عدم الاستسلام لليأس بعدما بات بشّار الأسد، المعجب بالراحل حسن نصرالله، يحكم سوريا. في الواقع، لم يكن بشّار يحكم سوريا بمقدار ما أنّه ترك الأمين العامّ الراحل لـ”الحزب” يحكم سوريا ولبنان في آن.

توجد علاقة قويّة بين قدرة لبنان على استيعاب ما يدور في المنطقة والعالم من جهة، والوضع الداخلي الذي يبدو في حال يرثى لها من جهة أخرى

الصّبر والحكمة

لا تزال هذه الجزر البيروتيّة، التي تقاوم ثقافة الموت، حيّة ترزق وتعكس تعبيراً عن وجود رغبة في الانتماء إلى ثقافة الحياة وكلّ ما هو حضاري في هذا العالم. عمل “الحزب” على إزالة ثقافة الحياة من داخل المجتمع اللبناني لأنّه في الأصل أداة إيرانيّة لا هدف لها سوى تكريس لبنان ورقة في لعبة تمارسها “الجمهوريّة الإسلاميّة” ولا تزال تحاول ممارستها.

يحتاج لبنان إلى اعتماد الصبر والحكمة على الصعيد الداخلي، لكنّه يحتاج أيضاً إلى فريق عمل على أعلى المستويات يتابع ما يجري في الإقليم وفي العالم. سيكون السؤال في المرحلة المقبلة: هل يستطيع لبنان الاستفادة من التطوّرات الإقليمية والدوليّة بدل أن يكون مرّة أخرى ضحيّتها كما حصل بعد عام 1970، التي كانت سنة مفصليّة على الصعيد الإقليمي، وكما حصل طوال سنوات، خصوصاً بعد سقوط العراق في يد إيران في عام 2003.

عملت “الجمهوريّة الإسلاميّة” بعد تسلّمها العراق على صحن من فضّة من إدارة بوش الابن، بشكل مباشر أو عبر الاستعانة بالنظام العلويّ السوري، من أجل تدمير أيّ محاولة لانبعاث لبنان مجدّداً. لهذا السبب اختارت، في عام 2005، الانتهاء من رفيق الحريري لأنّه إحدى العقبات في وجه مشروعها التوسّعي على صعيد المنطقة، بما في ذلك سوريا ولبنان.

يحتاج لبنان إلى اعتماد الصبر والحكمة على الصعيد الداخلي، لكنّه يحتاج أيضاً إلى فريق عمل على أعلى المستويات يتابع ما يجري في الإقليم وفي العالم

في فترة سابقة، مهّدت المرحلة التي تلت توقيع اتّفاق القاهرة المشؤوم في 1969 ثمّ أحداث عام 1970، بدءاً بخروج المقاتلين الفلسطينيين من الأردن وتوجّههم إلى لبنان، في وقت خطف الموت جمال عبدالناصر وصعد نجم حافظ الأسد، لبداية الحرب الأهليّة في 13 نيسان 1975.

في تلك المرحلة، تميّز لبنان بغيابه عن الأحداث في ضوء وجود سليمان فرنجيّة الجدّ في موقع رئاسة الجمهوريّة، وعجزه عن استيعاب ما يدور حول لبنان وفي العالم وحتّى في الداخل اللبناني.

حكم رشيد

كان لا بدّ من انتظار عام 1989 كي يتمّ التوصّل إلى اتّفاق الطائف. تكمن أهمّيّة ذلك العام في أنّه كرّس بداية النهاية للحرب الباردة، مع سقوط جدار برلين، وبحث النظام السوري عن طريقة لحماية نفسه من انعكاسات انهيار الاتّحاد السوفيتي. أتى الترياق للنظام السوري من الغباء السياسي لصدّام حسين الذي اجتاح الكويت صيف 1990. كافأت أميركا حافظ الأسد على مشاركته، وإن رمزيّاً، في حرب تحرير الكويت، بتمديد وصايته على لبنان. كان في قصر بعبدا وقتذاك العاند ميشال عون، الشخص الذي لا يعرف ألف باء الوضع الإقليمي وما يدور في العالم.

في سنة مفصليّة مثل سنة 2025، يحتاج لبنان إلى من يتعاطى مع معطيات دولية وإقليمية جديدة من نوع كلام المبعوث الأميركي إلى المنطقة ستيف ويتكوف والزلزال السوري… وتراجع الدور الإيراني في المنطقة. تحدّث ويتكوف ذو النفوذ الكبير في واشنطن صراحةً عن علاقة جديدة بين لبنان وإسرائيل. أراد صراحة تحديد ثمن الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي اللبنانية المحتلّة حديثاً. أمّا الزلزال السوري الذي ستظهر نتائجه عاجلاً أم آجلاً، فهو بحاجة إلى حكم لبناني يكون في مستوى فهم أبعاده، بقي النظام الحالي في دمشق أم لم يبقَ.

إقرأ أيضاً: لبنان على مفترق خطير: هل تعود الحرب؟

يفترض في الحكم اللبناني أن يكون مختلفاً كلّيّاً عن رئيس الجمهورية الذي انتُخب في عام 1970، والذي لم يعِ يوماً معنى سيطرة حافظ الأسد على سوريا ومدّ نفوذه إلى لبنان بعد توقيع تفاهم مع إسرائيل، عبر هنري كيسنجر، أين منه معاهدات السلام والاتّفاقات التي وُقّعت مع الدولة العبرية من ناحية تنفيذ رغباتها.

في مرحلة التراجع الإيراني في المنطقة، وهو تراجع لا مثيل له منذ عام 1979، تاريخ قيام “الجمهوريّة الإسلاميّة”، يحتاج لبنان إلى حكم رشيد، أبعد ما يكون عن ردود الفعل العشوائية.

أكثر من أيّ وقت يبدو لبنان بحاجة إلى من يفهم المنطقة والعالم وتعقيداتهما بدل أن يذهب مرّة أخرى ضحيّة ما يدور حوله وبعيداً عنه في واشنطن!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى