سلايدات

رسالتان على الأقل من «صاروخي الضاحية» تردّد صداهما في باريس!

كتب جورج شاهين في الجمهورية:

ليس سهلاً الحديث عن الرسائل التي حملتها الغارة الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت، بعد أن ارتاحت المنطقة من غبار دمارها ودخانه بعد أزيز طائراتها. فمهما تعدّدت فإنّ من بينها رسالتين واضحتين حملهما صاروخيها باتجاه باريس، ليتردّد صداهما في مكتب الرئيس ايمانويل ماكرون في قصر الإليزية ما أن وطأت قدما رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون مدخله. وبعد عملية الفرز يتبين أنّ إحداهما تعني الوضع في لبنان، والأخرى تعني الدور الفرنسي في المنطقة. وهذه هي المؤشرات والدلائل.

للمرّة الثانية انطلقت الصواريخ الجنوبية في اتجاه شمال إسرائيل، في محطة سياسية مفصلية نضحت فيها الظروف التي دفعت إليها في توقيتها وشكلها وغاياتها. فأياً كانت الجهة التي أطلقتها صباح امس فإنّها تلاقي الأهداف الإسرائيلية من إبقاء الجنوب محطة ساخنة، يسهل من خلالها توجيه الرسائل التي تريدها في أكثر من اتجاه، إلى درجة يمكن القول إنّ بقدرتها أن تستأجر من يطلقها من وقت لآخر، لتوفير الذريعة التي تسمح لها بعمليات عسكرية أكبر من تلك التي لم تتوقف عن القيام بها لألف سبب وسبب، منذ تجميد العمليات العدائية بموجب تفاهم 27 تشرين الثاني 2024، وعدم السماح بالانتقال إلى مرحلة تثبيت وقف إطلاق النار الثابت والنهائي، مع ما يستلزم ذلك من إجراءات متممة للمرحلة المقبلة.
على هذه الخلفيات، نظرت مراجع ديبلوماسية وسياسية إلى العملية عند البحث في توقيتها، فربطت شرارتها الأولى بمغادرة رئيس الجمهورية إلى باريس في زيارة عمل للمشاركة في قمتين، واحدة ثلاثية جمعته ونظيره الفرنسي بالفيديو مع الرئيس السوري للمرحلة الإنتقالية احمد الشرع، قبل أن ينضمّ إليهم في قمة رباعية ثانية من يمثل قبرص واليونان، للبحث في عدد من الملفات التي تعني البلدان الستة، بما فيها من عناصر التفجير الأمني كما هي الحال على الساحتين السورية واللبنانية، او تلك الاقتصادية والاجتماعية التي تعني علاقات باريس وبيروت بكل من نيقوسيا وأثينا.
وانطلاقاً من هذه المعطيات، فقد قرأت هذه المراجع ما حصل أمس من بوادر تصعيد عسكري أكثر من رسالة خارجية تُضاف إلى العوامل المرتبطة بجبهتها الداخلية، بعد المطالبة بإلغاء القرار 1701، منذ أن أصابت رصاصة طائشة، انطلقت من تشييع أحد عناصر الحزب في إحدى القرى الحدودية قبل أيام، سيارة في مستوطنة أفيفيم، ومن بعدها الصواريخ «اللقيطة» التي استهدفت المطلة، وصولاً إلى صاروخي الأمس مع ما تحمله هذه الصواريخ البدائية من عناصر تشكيك بهوية مطلقيها ولأي هدف رموا. فهو بالتأكيد لا يخدم أي طرف لبناني سواء كان متصلاً بالدولة او بـ»حزب الله»، بعدما تبين أنّ قادته ليسوا في مأمن من الملاحقة في القرى الحدودية كما على الحدود اللبنانية ـ السورية وعمق البقاع، وهو عاجز عن الردّ بأي شكل من الأشكال.
وعليه، لا تخفي الظروف الداخلية التي تملي على إسرائيل تصعيدها في الجنوب بوجود سبب وجيه او من دونه، انّ هناك رسائل عدة في اتجاهات مختلفة. ولعلّ أبرزها اثنتان وجّهتهما تل أبيب إلى باريس، واحدة تعني لبنان مباشرة والثانية تعني فرنسا، ويمكن الإشارة اليهما بالآتي من المؤشرات:
– الرسالة اللبنانية باتت واضحة، وهي تقول إنّ على لبنان عدم التأخّر في البتّ بسلاح المقاومة في كل لبنان وفي الجنوب تحديداً، وتطهير المنطقة من مثل الصواريخ البدائية التي أُطلقت بالأمس دفعة ثانية منها، لأنّها تكون فكرة بالنسبة إليها عن عجز الجيش و»اليونيفيل» من ضبط منطقة جنوب الليطاني بطريقة شاملة وكاملة.
اما الرسالة الثانية فهي في اتجاه باريس، لما لدى تل أبيب من ملاحظات على التوجّهات الفرنسية في المنطقة. فكيف بالنسبة إلى طموحاتها برعاية العلاقات بين دولتين عدوتين لها، هما سوريا ولبنان بمعزل عن ملاحظاتها تجاه النظام السوري الجديد، كما بالنسبة إلى المماطلة في ممارسة الضغوط على لبنان للإسراع في تطبيق القرار 1701 في شأن السلاح غير الشرعي. وإلّا ستكون هي مضطرة لاستهداف المخازن التي تدّعي وجودها كما حصل في الضاحية الجنوبية أمس، مدّعية أنّها قصفت مركزاً لتجميع المعدات الخاصة بالطائرات المسيّرة ولم يتوافر أي ردّ بعد ينفي هذه التهمة عن المنطقة والمبنى المستهدف بعدما سوّي بالأرض.
وإلى جانب هذه الملاحظات من الواضح انّ لبنان فَهمَ الرسالة التي تعنيه، عندما ردّ عون من باريس أمس متحدّياً إسرائيل بوقف إطلاق الصواريخ من قطاع غزة المدّمر والمحتل من قبلها دون القدرة على وقف ذلك. أما بالنسبة إلى الرسالة الثانية وهي الأشد، فإنّ موقف رئيس الحكومة من مصير السلاح في تعاطيه مع طلبه التحقيق لتحديد هوية من أطلق صاروخي الجنوب، إشارة واضحة إلى السلاح المتفلّت في كل لبنان لتكون الإمرة والسيطرة للدولة اللبنانية وجيشها من دون أي شريك آخر.
وعليه، تختم المراجع الديبلوماسية، إن فقد أي من الطرفين القدرة على فهم الرسائل الإسرائيلية الأخيرة من خلال صاروخي الضاحية، ينبغي ان يُفهم ما قصدته نائبة مبعوث الرئيس الأميركي للشرق الأوسط مورغان اورتاغوس في حديثها الذي أعقب العملية، وبررت فيه لإسرائيل غارتها، بقولها «إنّ على الحكومة اللبنانية لجم المجموعات الإرهابية التي تطلق الصواريخ بدلاً من لوم اسرائيل». وانّ «الجيش اللبناني الذي ندعمه لا يعمل بنحوٍ كافٍ في مواجهة هذه المجموعات». وانّ على «حزب الله» التخلّي عن «سلاحه في شكل كامل ولا نريد أن نرى في لبنان دولة داخل الدولة». وفي ظل رفضها لأي وجوه شبه بين لبنان وغزة، قالت «إنّ المقارنة بين لبنان وغزة لا تجوز». وانّ بلادها «لا تريد أن تتوسع الحرب بين لبنان وإسرائيل، وهي تشجع على المفاوضات الديبلوماسية بينهما تمهيداً للانسحاب من النقاط الخمس». ونقطة على السطر.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى