سلايدات

ترامب وبايدن: إدارتان تتقاسمان مآزق المنطقة

كتب نبيل عمرو في اساس ميديا:

اختبرنا في وقت قصير جدّاً حكم الديمقراطيين في أميركا، ولاحقاً حكم الجمهوريين، فما هو الفارق بينهما؟ وكيف تعاطى كلٌّ منهما مع أزمات المنطقة؟

 

الإدارة الديمقراطية: اندلعت حرب غزة وهي في العام الأخير من قيادتها لأميركا، ومنذ اليوم الأوّل للحرب في السابع من أكتوبر 2023، لم تتوانَ الدولة العظمى عن القيام باستعراض قوّةٍ عسكري وسياسي، دخلت فيه طرفاً مباشراً تحت العنوان المألوف، حماية إسرائيل وتمكينها من الدفاع عن نفسها.

في مناورة من العيار الثقيل، دخلت الإدارة الديمقراطية منتدى الوساطة لوقف الحرب، وتمكّنت بنفوذها الكونيّ من فرض ازدواجية غير مسبوقة في العمل السياسي، وهي أن تكون طرفاً مباشراً إلى جانب إسرائيل في كلّ فصول الحرب، وفي الوقت ذاته أن تكون وسيطاً رسميّاً لوقفها.

أدّت الإدارة الديمقراطية هذا الدور على النحو الذي وفّر لبنيامين نتنياهو الفرص الثمينة لإطالة أمد الحرب، مستخدماً “الازدواجية الديمقراطية”، إذ لم يكن ينقصه شيء في قيادته المطلقة لها، فالجسر السياسي امتدّ من البيت الأبيض إلى وزارة الخارجية والبنتاغون، عبر الحجّ المكثّف لكلّ أقطاب الإدارة إلى إسرائيل، بمن فيهم الرئيس جو بايدن، مترافقاً مع جسر جوّي لم يتوقّف يوماً عن نقل السلاح والعتاد إلى الجبهة مباشرة، ومترافقاً أيضاً مع تسجيل الرقم القياسي لاستخدام الفيتو، حتّى ضدّ الإجماع الدولي على وقف الحرب.

تسلّم دونالد ترامب إنجازاً جاهزاً، لكنّه لم يحسن التعامل معه لفقدانه التوازن الشخصي بفعل النجاح المذهل الذي تحقّق له في الانتخابات

تركة ثقيلة

في أداء الدور المزدوج، كان لا بدّ من إظهار اختلاف بين الإدارة والحكومة الإسرائيلية، لكن في أمور ثانوية تتّصل بالأداء لا المضمون. ومن دون إطالةٍ في سرد الحيثيّات، تمكّنت الإدارة الديمقراطية من وضع سيناريو إنهاء الحرب، وفق شروط مرضية لكلّ أطرافها، وبصياغة تخدم الحملة الانتخابية الديمقراطية، التي بالحرب أو بدونها كانت تعاني ضعفاً ينذر بسقوطها.

تسلّم دونالد ترامب إنجازاً جاهزاً، لكنّه لم يحسن التعامل معه لفقدانه التوازن الشخصي بفعل النجاح المذهل الذي تحقّق له في الانتخابات

ترامب

على مدى أكثر من سنة عالجت الإدارة الديمقراطية الحرب في الشرق الأوسط على نحوٍ أدّى إلى مذبحة غزّة وتدميرها كلّياً، وامتداد الحرب إلى سبع جبهات، وفق وصف نتنياهو لها، فدخلت المنطقة كلّها حالة حرب، وإن لم تشارك فيها الجيوش النظامية للدول، فإنّها جميعاً دفعت أثماناً بفعل عصفها وما تحمله من احتمالات خطرة على أمنها القومي.

كانت حرباً إقليمية من حيث أطرافها وساحاتها، وعالمية من حيث التأثّر بها.

رحلت الإدارة الديمقراطية مخلّفةً وراءها دماراً على مستوى المنطقة كلّها، وقد سلّمت إدارة ترامب تركة ثقيلة، كان ظاهرها نجاحاً تحقّق له دون أن يشارك فيه، مجسَّداً في سيناريوهات إنهاء الحرب على الجبهة اللبنانية ثمّ جبهة غزة.

رحلت الإدارة الديمقراطية مخلّفةً وراءها دماراً على مستوى المنطقة كلّها، وقد سلّمت إدارة ترامب تركة ثقيلة، كان ظاهرها نجاحاً تحقّق له دون أن يشارك فيه

الخضوع أو الجحيم

الإدارة الجمهوريّة: تسلّم دونالد ترامب إنجازاً جاهزاً، لكنّه لم يحسن التعامل معه لفقدانه التوازن الشخصي بفعل النجاح المذهل الذي تحقّق له في الانتخابات، فتهيّأ له أنّه قادر على فعل أيّ شيءٍ وحلّ أيّ قضية مهما بدت مستحيلة.

إذا كان لا يهمّنا كثيراً ما قاله عن كندا وغرينلاند وباناما، وما يفعل داخل أميركا ذاتها، لكن ما يهمّنا حقّاً هو كيف يعمل ترامب في منطقتنا، وما هي النتائج المترتّبة على ما يفعل؟

في لبنان، منح إسرائيل الحقّ في العمل بحرّية، وفق ما تراه مناسباً. لم يقتصر الأمر على خمس نقاطٍ داخل الأراضي اللبنانية، بل تعدّى إلى استباحة كلّ لبنان، واعتبار كلّ جغرافيّته هدفاً موافَقاً عليه، بما في ذلك قصف المدن دون الحاجة إلى ذريعة لذلك.

بالنسبة لغزّة، نقلت الإدارة الجمهوريّة الموقف الأميركي من حالة الازدواجية بين دعمٍ لإسرائيل وبين لعبٍ لدور الوساطة، إلى حالةٍ يصل فيها الدخول الأميركي على خطّ الحرب إلى قيادتها، بصورةٍ مباشرة، فإمّا أن تفعل غزّة ما يريده نتنياهو وإيتامار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، وإلّا فأبواب الجحيم الأميركي ستُفتح.

أساس مشترك

السؤال بعد كلّ ذلك، أي بعد أداء إدارتين في فترة زمنيّة قصيرة: إلى أين سيفضي ذلك كلّه؟

لا أفق لوقف الحرب الإسرائيلية على لبنان، ما دام الأمر بيد نتنياهو، ولا أفق أيضاً لانتهائها على غزة، ما دامت الحرب هدفاً بحدّ ذاته، نظراً لاتّصالها الوثيق بمستقبل نتنياهو السياسي.

إقرأ أيضاً: نتنياهو… من تغيير الشّرق الأوسط إلى تغيير إسرائيل

الخلاصة: سياسة الإدارتين تجاه الشرق الأوسط فيها أساسٌ مشترك… الديمقراطيون يعرفون كيف تنتهي الحروب، ولا يعملون وفقاً لما يعرفون، والجمهوريون يعرفون أيضاً، لكنّهم يعملون عكس ما يعرفون، وهيهات لسياسة دولةٍ عظمى ذات نفوذٍ كونيٍّ أن تفضي إلى غير ما نراه الآن من دمار في كلّ مكان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى