سلايدات

إيران والنووي: بين فتوى خامنئي وتهديدات ترامب من يلعب بالنار؟

كتبت سحر ضو في اللواء :

في خمسينات القرن الماضي، حين كانت العلاقات الإيرانية – الأميركية في أوجّها، انطلقت أولى خطوات البرنامج النووي الإيراني ضمن مبادرة «الذرة من أجل السلام»، بدعم مباشر من الولايات المتحدة. لم يكن أحد يتوقع حينها أن يتحوّل هذا المشروع، الذي بدأ بسلمية واضحة، إلى محور صراع دولي معقّد يشعل التوتر في الشرق الأوسط ويؤرق العواصم الغربية حتى اليوم.
توقفت الأنشطة النووية الإيرانية عقب الثورة الإسلامية عام 1979، لكن هذا التوقف لم يكن سوى هدنة مؤقتة. فمع بداية الألفية، بدأت طهران بإحياء برنامجها النووي تدريجياً، لتبني شبكة واسعة من المنشآت ذات الطابع المزدوج. في ناطنز، يتم تخصيب اليورانيوم بشكل مكثف، وفي فوردو، الموقع المحصّن تحت الأرض، يتعزز الشعور بالغموض والقلق لدى الغرب. مفاعل آراك العامل بالماء الثقيل، ومحطة بوشهر للطاقة، يكتمل بهما المشهد النووي الإيراني، الذي يبدو للمتابعين كما لو أنه يحاول أن يبقى دائماً على الحافة: قريباً من القدرة العسكرية، دون تجاوز الخط الأحمر علناً.
في عام 2015، أعتقد كثيرون أن الاتفاق النووي مع الدول الكبرى سيكون نهاية للتصعيد، حيث التزمت إيران بقيود صارمة على التخصيب مقابل تخفيف العقوبات. لكن انسحاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب من الاتفاق عام 2018 أعاد الأمور إلى المربع الأول، بل وأشعل سباقاً خطيراً بين التصعيد والردع. إيران رفعت من مستويات تخصيب اليورانيوم لتصل، بحسب الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إلى 84%، وهي نسبة تقترب من العتبة العسكرية ولا تُبرر بأي استخدام سلمي معلن.
رغم فتوى المرشد الأعلى علي خامنئي بتحريم السلاح النووي، فإن السلوك الإيراني يفتح باب التساؤلات. تصريح علي لاريجاني بأن إيران قد تضطر لامتلاك السلاح النووي «إذا لزم الأمر»، يتقاطع بحدّة مع هذه الفتوى، ويعكس صراعاً داخلياً بين مراكز القرار، خصوصاً في ظل مطالبة جهات نافذة، مثل الحرس الثوري، بإلغاء الفتوى في ظل التهديدات الأميركية والإسرائيلية المتزايدة. التهديدات التي وصلت إلى حد تلويح ترامب علناً بقصف المنشآت النووية الإيرانية، والتي ردّت عليها طهران بتأكيد قدرتها على إعادة بناء تلك المنشآت «في وقت قياسي».
هذا التوتر الدائم يعزز القناعة لدى خبراء السياسة الدولية بأن إيران لا تسعى فقط لامتلاك السلاح النووي كأداة ردع، بل كوسيلة لفرض معادلات جديدة في المنطقة، خصوصاً بعد تفكك عدة قوى إقليمية وغياب توازن الردع التقليدي. في المقابل، ترى قوى غربية أن العودة إلى اتفاق نووي جديد مع ضمانات صارمة هي الخيار الوحيد لتفادي كارثة محتملة. تقارير استخباراتية عديدة تؤكد أن إيران باتت على مسافة أشهر من الوصول إلى «العتبة النووية»، أي القدرة على إنتاج سلاح نووي دون الإعلان عن امتلاكه فعلياً، وهي منطقة رمادية تفتح الباب لمزيد من التصعيد أو التفاهم، بحسب مواقف العواصم الكبرى.
في ظل كل ذلك، يظل السؤال المفتوح: هل تمتلك إيران النيّة الحقيقية لتطوير قنبلة نووية، أم أنها تمارس لعبة «الاقتراب دون اللمس» لتأمين نفوذها ورفع سقف تفاوضها؟ الإجابة، حتى الآن، غير محسومة. لكن المؤكد أن استمرار الغموض، في ظل التصعيد المتبادل، يجعل المنطقة تعيش على إيقاع ساعة نووية… لا أحد يعرف متى تدق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى