
كتبت ملاك عقي في اساس مديا :
يُسلّم رئيس الجمهورية جوزف عون بأنّ “العمل الدبلوماسي”، من أجل حصر السلاح بيد الدولة، “قد لا يعطي نتيجته سريعاً”، في ظلّ رهان رئاسي يتقاطع بين بعبدا وعين التينة والسراي على أنّ الجهد الدوليّ لا بدّ أن يؤتي ثماره، في الوقت الذي وضعت فيه واشنطن وطهران الدبلوماسية خياراً أوّلَ للتوصّل إلى اتّفاق تسوية. لكن “على درب” الحوار في مسألة السلاح، والضغط على الإسرائيلي للانسحاب لتسهيل هذا الحوار، تدور معارك لها تأثيراتها المباشرة على هذا الملفّ، وآخِرتها “معركة” لبنان لعدم الاستغناء عن خدمات قوات الطوارئ الدولية، فيما تتراكم مؤشّراتِ توجّهٍ لإنهاء مهمّة قوّة الأمم المتّحدة لمراقبة فضّ الاشتباك “أندوف” في جنوب سوريا.
أكثر من مرّة خاض لبنان مواجهات في أروقة مجلس الأمن من أجل عدم تعديل مهامّ “اليونيفيل” في الجنوب، بما يسمح لقوّات الطوارئ الدولية بالتسلّح بحرّيةِ حركةٍ أكبر، وذلك في مرحلة ما قبل حرب إسناد غزّة، وفيما كان “الحزب” “يبسط سيطرته” الأمنيّة جنوب الليطاني، ويتسلّح بمعادلة الردع بوجه إسرائيل.
لكن خلال أشهر الحرب الإسرائيلية على لبنان، وبعد توقيع قرار وقف إطلاق النار الذي نفّذه لبنان من جانب واحد، برزت هواجس حقيقية تعبّر عنها جهات رئاسية وعسكرية من احتمال حصول ضغط إسرائيلي لإنهاء خدمات “اليونيفيل”، من ضمن خارطة المصالح الاستراتيجيّة المستجدّة في المنطقة، التي فرضها سقوط النظام السوري وتعرُّض “الحزب” لضربة عسكرية قاسية والإجهاز على معظم قياداته واغتيال أمينه العامّ السيّد حسن نصرالله.
بدت فرنسا أكثر طرف دولي متوجّس من مخطّط “تطيير” “اليونيفيل”، ولم تتوانَ عن ممارسة نوع من “لوبيينغ” لتوفير مظلّة دولية تقف ضدّ مخطّط إخراج “اليونيفيل” من المعادلة بعد إعلان قرار وقف إطلاق النار. يُذكر أنّ إسرائيل تمسّكت سابقاً برفضها تسلّم “اليونيفيل”، أو القوّات الفرنسية، المواقع الحدودية الخمسة المحتلّة من قبل العدوّ، ولم تسلَم مراكز “اليونيفيل” من الاستهداف الإسرائيلي المتكرّر طوال الحرب، وخلال التوغّلات البرّية.
يُسلّم رئيس الجمهورية جوزف عون بأنّ “العمل الدبلوماسي”، من أجل حصر السلاح بيد الدولة، “قد لا يعطي نتيجته سريعاً”، في ظلّ رهان رئاسي يتقاطع بين بعبدا وعين التينة والسراي
سيناريو خطِر
وفق مصادر متابعة للملفّ، يرتدي التمديد لـ”اليونيفيل” هذا العام أهميّة استثنائية بسبب التخوّف اللبناني من ضغط أميركي -إسرائيلي يطوي صفحة قوّات الطوارئ الدولية جنوب لبنان، وهو ما سيعني فقدان المرجعية الدولية “الشرعيّة”، و”تقاعد” الجهة الدولية المكلّفة تسجيل خروقات العدوّ الإسرائيلي، ورفع الشكاوى إلى مجلس الأمن. وقد يبدأ الأمر بالضغط لخفض عديدها، أو التلويح بإدراج مهامّها تحت الفصل السابع، أو “النقّ” في شأن موازنتها السنويّة.
هنا تفيد معلومات “أساس” بأنّ هناك توجّهاً أميركياً لتقليص نفقات المساهمة في ميزانية قوات الطوارئ الدولية، وبفعل الضغط الاميركي الاسرائيلي قد يتمّ تقليص عديدها العامل في جنوب لبنان. والأهم أن هناك نقمة اسرائيلية على عمل اليونيفيل منذ العام 2006، مع نهاية حرب تموز، حيث عجزت القوة الدولية، برأي واشنطن وتل أبيب، عن منع الحزب من بناء ترسانته العسكرية، فيما كان الاسرائيلي يتوقّع طوال السنوات الماضية أن تقحم اليونيفيل نفسها، بما هو خارج صلاحياتها، بالدخول بكباش مسلّح مع الحزب.
ثمّة سيناريو غير مستبعد لمحاولة الإطاحة بـ”اليونيفيل”. وتتعاظم خطورته، برأي مصادر مطّلعة، إذا قرّر الإسرائيلي تمديد احتلاله من دون سقف زمني. وكان مجلس الأمن الدولي مدّد في آب الماضي، بالإجماع، لمدّة عام التفويض الحالي لـ”اليونيفيل” حتّى 31 آب 2025. يومئذٍ قالت مساعدة سفير فرنسا، الدولة التي صاغت القرار، ناتالي برودهورست: “اقترحنا تجديد التفويض بشكله الحالي، في وقت يقوم جنود القوّة الدولية بعمل لافت، في ظروف في غاية الصعوبة”، مؤكّدة أنّ “المجلس سيبقى مستعدّاً لاتّخاذ تدابير أخرى إذا اقتضى الأمر”.
جيش – يونيفيل – شعب
أمّا لناحية الجيش اللبناني فالعمل على الأرض يريح السلطة في معركتها الدبلوماسية في مجلس الأمن. إذ إنّ جميع مهمّات الجيش جنوب الليطاني، تطبيقاً للقرار 1701، بما في ذلك نقل الذخائر أو تفجيرها، وتفكيك الألغام، تتمّ بمواكبة من قوّات اليونيفيل، أو بعلم الجيش في حال القيام بدوريّات منفردة. وتشهد التقارير العسكرية على مواكبة “اليونيفيل” للجيش خلال كلّ مهمّات التصدّي لأيّ خروقات إسرائيلية كبناء سواتر ترابية أو قطع طرقات وجرفها، أو محاولات التقدّم، ثمّ إبلاغ الـ mecanisme بهذه الخروقات.
تؤكّد مصادر مطّلعة لـ”أساس” أنّ حادث طيردبّا لا يشكّل أيّ رسالة سياسية في ظلّ مظلّة التنسيق المشتركة جنوب الليطاني
يمكن الجزم بأنّه مقارنة بحجم الاحتقان الشعبي لدى أهالي الجنوب بسبب شعورهم بأنّ إعادة الإعمار قد لا تتمّ في المدى المنظور، وعلى خلفيّة الاعتداءات الإسرائيلية التي لم تتوقّف منذ قرار وقف إطلاق النار، ومن ضمنها الاستهداف المنظّم للبيوت الجاهزة، تبدو معادلة “جيش – يونيفيل – شعب” بمنأى عن الخرق أو الاختلال، على أبواب معركة التمديد لقوّات الطوارئ.
مع ذلك سُجّلت في الأيّام الماضية بعض الاحتكاكات التي تمّت معالجتها، وفق مصادر عسكرية، من دون أن تترك آثار احتقان. ففي بلدة طيردبّا، وبعد اقتراب دوريّة من “اليونيفيل” من بعض المنازل والتصوير، من دون مواكبة من الجيش (لكن مع علمه)، أجبرها بعض الشبّان على المغادرة. لاحقاً أصدرت نائبة الناطق الرسمي باسم “اليونيفيل” بياناً قالت فيه إنّ “جنود حفظ السلام سلكوا طريقاً بديلة، وتمّت ملاحقتهم لبعض الوقت، لكنّهم تمكّنوا من مواصلة دوريّتهم، وأبلغنا الجيش بالحادثة”، مذكّرة الجميع بأنّ “قوّات حفظ السلام تعمل بالتنسيق الوثيق مع الجيش”.
حصلت أيضاً حوادث طفيفة في بعض البلدات عند دخول “اليونيفيل” أملاكاً خاصّة، فيما يُفترض، برأي الأهالي، أن تركّز مهامّها على الخطّ الأزرق. تؤكّد مصادر مطّلعة لـ”أساس” أنّ حادث طيردبّا لا يشكّل أيّ رسالة سياسية في ظلّ مظلّة التنسيق المشتركة جنوب الليطاني، وأنّ الاتّصالات السياسية العسكرية على المستويات كافّة، بما في ذلك قيادة جنوب الليطاني وقيادة “اليونيفيل” ولجنة المراقبة، التي أعقبت الحادث قدّمت إحاطة موضوعية له، خصوصاً في ظلّ مصلحة الحكومة و”الحزب” في التمسّك ببقاء قوات “اليونيفيل”. وقد مهّدت الحكومة لذلك بطلبه رسمياً في جلسة مجلس الوزراء الأخيرة.