سلايدات

هل من أفق لإنهاء الصراع الروسي –الاوكراني؟

كتبت يولا هاشم في المركزية :

أعلنت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية تامي بروس أن الولايات المتحدة لم تعد تنوي لعب دور الوسيط في المفاوضات بين روسيا وأوكرانيا لتسوية الأزمة الأوكرانية، مشيرة إلى أن الولايات المتحدة ستبذل رغم ذلك جهودا لتحقيق السلام، لكن نهاية النزاع تتطلب الآن “أفكارا ملموسة” من روسيا وأوكرانيا. وكشف نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس لشبكة “فوكس نيوز”، أمس الخميس، أن الحرب في أوكرانيا لن تنتهي “في أي وقت قريب” ما لم يحدث تغير في المواقف. من جهته، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ان بلاده مستعدة لإبرام اتفاق مع اوكرانيا لكن ما زالت هناك نقاط عالقة يجب الحسم فيها. فما الذي يعرقل الاتفاق بين البلدين؟

المحلل السياسي الدكتور خالد العزي يؤكد لـ”المركزية ان “الرئيس الاميركي دونالد ترامب، وعد منذ بداية عهده بإنهاء الحرب الاوكرانية – الروسية، لكن هذه الوعود اصطدمت بأرض الواقع لأن ترامب لن يستطيع ان ينفذ اتفاقات دون تخطيط وموافقة شركاء له، لذلك اختار ستيف ويتكوف ليكون مبعوثه الخاص الى اوكرانيا وروسيا وهيّأ الأجواء لسحب فتيل الصراع المبدئي بينه وبين روسيا، على أمل ان تتحول موسكو الى عامل مساعِد في إنهاء الأزمة. كما حاول الضغط على الرئيس الاوكراني فولوديمير زيلينسكي، للجلوس على طاولة المفاوضات مع روسيا. وقامت الصحافة بتسريب خطة لإنهاء الحرب، إلا ان هذه الخطة غير مدروسة ولا يمكن للشركاء الاوروبيين الموافقة عليها لأنها ترتكز على الاستسلام الاوكراني لروسيا والاستعمار الاميركي لاوكرانيا”.

ويرى العزي ان “الحرب التي يريد ترامب إنهاءها، بحسب ما سُرِّب في الإعلام تقوم على إقناع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بهدنة لمدة شهر، وبالتالي يتم خلاله التوافق على آليات لتنفيذ هدنة قادمة تؤدي الى جلب الطرفين للجلوس على طاولة المفاوضات.

لكن روسيا عمليًا، لم تلتزم بالهدنة التي قطعتها في عيد الفصح، إلا أنها في المقابل تسعى لهدنة في 8 و9 و10 و11 ايار كخطوة منفردة دون التنسيق مع الاميركيين، بسبب العرض الذي ستقيمه في 9 أيار بمناسبة عيد الانتصار الـ75 على الفاشية، تخوفًا من أي ضربة اوكرانية.

إذا روسيا تستخدم الازدواجية في التعاطي مع اي مبادرة، الهدف من خرق عيد الفصح وضرب العاصمة كييف تشكيل نوع من الضغط النفسي على السكان الاوكران وعلى القادة الاوروبيين باعتبار ان روسيا تريد تحقيق مطالبها وعلى الغرب ان يحدد هذه المطالب سريعًا ويُقر بها وإلا اوكرانيا ستفقد وجودها نهائيا”، مشيرًا الى “وجود بروباغندا ديماغوجية موجهة للداخل وللخارج. لأن مطالب روسيا التي تحاول ان تستحوذ عليها هي مطالب استسلام: أولا ضمّ المقاطعات الخمس لروسيا لأن بوتين أقرهم ووضعهم في الدستور في وقت  لم تستطع روسيا تنظيف هذه المقاطعات واحتلالها كاملة بالطريقة العسكرية.

ثانيًا، هي تهديد بفقدان اوكرانيا وجودها على البحر الاسود، وثالثا منع اوكرانيا من التسلح وعدم زيادة عديد جيشها، ورابعًا عدم تقديم مساعدات من قبل الولايات المتحدة الاميركية لاوكرانيا لا عسكرية ولا لوجيستية، وخامسًا منع اوكرانيا من الدخول في البيت الاوروبي وحتى الدخول في حلف الاطلسي”.

ويعتبر العزي ان “روسيا لم تتمكن من الاستحواذ على هذه الشروط بواسطة الصراع العسكري، لكن استطاعت ان تروجها بطريقة مميزة وتعرضها على ترامب، الذي بدوره يبدو أنه ينطلق من نقطتين، الاولى محاولة فصل اميركا عن الصين من خلال الاستحواذ على مناطق التنقيب في المتجمد الشمالي، والوصول الى النفط الروسي والتمكن من استخدامه، واستخدام الموارد الطبيعية الروسية بأقل الأسعار، لأن موسكو مضطرة على الموافقة لأنها تريد ان تحقق انتصارًا حتى لو كان  شكليا. كما ان ضم الاراضي الاوكرانية بموافقة أميركية يريحها من جهة، ويفك عنها من جهة اخرى العقوبات الاقتصادية التي تعاني منها.

في المقابل، يشعر ترامب ان روسيا ستساعده فعليا في رفع يدها عن الملف النووي الايراني وسيحقق انتصارا في هذا الملف”.

ويؤكد ان “الانقسام الاميركي حول القضية الاوكرانية واضح، حيث ان البعض يعتبر ان هذا سيؤدي الى تعميق الازمة مع الجانب الاوروبي لأن الموقف الاوروبي سيكون موحدا، ولذلك يحذّر المستشارون الاميركيون ترامب بعدم ارتكاب خطأ الضغط على زيلينسكي لأنه سيؤدي الى دعمه اوروبيًأ.

وبعد توقيع واشنطن اتفاق المعادن مع كييف التعويض عن “المساعدات المالية والمادية الكبيرة” التي قدّمتها لأوكرانيا للدفاع عن أراضيها منذ بدء الغزو الروسي في شباط 2022، بدأ ينكشف سر المعركة الفعلية التي يقوم بها بوتين ضد اوكرانيا لأن الموارد موجودة في مدينتين مهمتين عاصيتين على السقوط، دنيبرو بيتروفسك وخاركيف. كما ان الهيئة الباحثة عن الموارد الطبيعية في روسيا تستعد لإعادة اكتشاف ودراسة الاراضي الموجودة في دانيتسك ولوغانسك وخارسون وزاباروجيا، ربما توجد بعض المعادن قد تسد رمق روسيا المتعطش للوصول الى هذه المعادن التي سبقتها بالوصول اليها اميركا.

وهنا يظهر السؤال الفعلي بأن العملية العسكرية التي خاضتها روسيا ضد اوكرانيا وألبستها لباس الدفاع عن الناطقين بالروسية والنظام المتطرف بات غير صحيح لأن الصراع الفعلي هو على مَن يسيطر على الموارد”.

ويشدد العزي على ان “مطالب بوتين كثيرة، وهو يعلم جيدا انه اذا ذهب الى طاولة المفاوضات سيتعرض لكثير من الضغوط وسيسقط كل شعاره السياسي الذي بناه ليواجه الداخل، ولذلك نجده يتهرب ويقول بأنه لن يخوض التوافق في ظل وجود حكومة زيلينسكي الذي عليه ان يرحل او يخوض انتخابات وهذا غير مقبول لأن في اوكرانيا حالة طوارئ لن تسمح بانتخابات، كما ان اوكرانيا لن تسمح بالتخلي عن أراضيها خاصة وأنها مدموغة باتفاق 1991 بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وباتفاق بودابست عندما تخلت اوكرانيا عن السلاح النووي وكان الحامي لها اميركا وبريطانيا وروسيا.

لذلك ستسبب هذه النقاط معضلة جديدة للاتحاد الاوروبي لأنه اصلا فرض عقوباته بناء على الاختراق للقانون الدولي، وهنا في حال التنازل والسماح لروسيا بقضم هذه الاراضي ستكون كل الدول معرضة لاقتلاع اراض اخرى من دول صغيرة او فقيرة. كما ستنفتح شهية بوتين بعد عام او عامين وسيشن معركة واضحة بدأ بالتجهيز لها نحو فنلندا والنرويج والسويد لأن هذه المنطقة ستكون منطقة صراع قادم بين الاقطاب الكبرى على المحيط المتجمد الشمالي وثرواته، خاصة وان روسيا تملك اكبر نسبة اراضي في هذه المناطق ولها منافذ عدة. كما ان شهية بوتين ستكون مفتوحة لدول يعتبر الدخول اليها سهلا كدول البلطيق وجزء من بولندا وربما بلغاريا واذربيجان وارمينيا وحتى وسط آسيا، سيحاول إعادة قدرته في الوسط الاوروبي من خلال الامبراطورية الروسية الجديدة التي يطمح في تحقيقها”.

ويختم العزي: من هنا هو يعلم جيدا ان من يستطيع السيطرة على اوكرانيا يستطيع العبث في اوروبا وفي مواقفها الاقتصادية والسياسية، لذلك حتى هذه اللحظة مع كل الكلام المعسول والمطالب، لم تقدم روسيا اي تنازل تُقنِع به الدول الاوروبية أو حتى الاميركيين للجلوس الى الطاولة. هي تريد تنفيذ شروطها ولكن هل يمكن تنفيذ هذه الشروط؟ هذه معضلة جديدة. الاتحاد الاوروبي لن يقبل لأنه هو مَن سيتعرض للضربة القادمة في حال سقوط اوكرانيا المُدافِع الاول عن اوروبا. وهنا، سينقسم الموقف في ظل تعثر مواقف اميركية في عدم تحقيق ترامب شعاره الانتخابي، وباتت كل الشعارات التي رفعها تتعثر. حتى الموقف في النووي الايراني لا يزال مجهولا، ولا تزال ايران تفاوض وتماطل. فكيف اوكرانيا التي تمتلك قدرات عسكرية وجيش وشعب يقاتل بحقه في الوجود، سيقاتل حتى الرمق الاخير، وبالتالي اوروبا معنية بأن تكون الى جانب اوكرانيا في الدفاع عن نفسها اولا وفي تحمل عبء المواجهة مع روسيا ثانيًا”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى