سلايدات

“حرب” نفطيّة مصغّرة في الظّلّ.. تديرها السّعوديّة؟

كتب عبادة اللدن في اساس ميديا :

تدور في الظلّ حرب نفطية مصغّرة، تشبه إلى حدٍّ غير بعيد عما جرى خلال جائحة كورونا عام 2020، حين هوت أسعار النفط بحدّة، نتيجةً لعدم تعاون بعض الدول الأعضاء في “أوبك بلاس” في خفض الإنتاج والتزام الحصص المتّفق عليها.

 

يوم السبت الماضي، اتّخذت الدول الثماني الأساسية في مجموعة “أوبك بلاس” قراراً مفاجئاً بزيادة إنتاجها النفطي بمقدار 411 ألف برميل يوميّاً اعتباراً من مطلع حزيران المقبل. وهذه الزيادة تضاف إلى زيادة مماثلة تمّ تنفيذها في مطلع أيّار الجاري، وزيادة بنحو 137 ألف برميل يوميّاً تمّ تنفيذها في مطلع نيسان الفائت، ليصل مجموع الزيادات في ثلاثة أشهر إلى ما يقارب مليون برميل يومياً، وهو رقمٌ كبير ومفاجئ للغاية في ظروف السوق الراهنة، في ظلّ فائض المعروض الكبير، الذي قدّرته وكالة الطاقة الدوليّة بنحو 950 ألف برميل يوميّاً، حتّى قبل أن تبدأ “أوبك بلاس” بزيادة الإنتاج.

امتعاض من عدم الالتزام

وقد فاقم هذا القرار من تراجعات أسعار النفط، فخسرت نحو ثمانية في المئة خلال الأسبوع الماضي، وهوى سعر مزيج برنت دون مستوى ستّين دولاراً للبرميل، في أدنى مستوى له منذ أربع سنوات.

تدور في الظلّ حرب نفطية مصغّرة، تشبه إلى حدٍّ غير بعيد ما جرى خلال جائحة كورونا عام 2020، حين هوت أسعار النفط بحدّة

فما الذي يدفع الدول الثماني إلى زيادة الإنتاج؟

تشير المعلومات إلى وجود امتعاضٍ داخل “أوبك بلاس” من عدم التزام بعض الدول حصص الإنتاج والتعهّدات التي قطعتها بتنفيذ جداول محدّدة للتعويض عن عدم التزامها السابق. والحديث يدور بشكل خاصّ حول كازاخستان والعراق، وبدرجة أقلّ روسيا. ومعلوم أنّ السعوديّة تنتج بأقلّ من طاقتها بنحو ثلاثة ملايين برميل يوميّاً (إنتاجها الحالي يزيد قليلاً على 9 ملايين برميل يوميّاً، فيما طاقتها الإنتاجية تزيد على 12 مليون برميل يوميّاً). وبذلك تُعتبر أكبر المضحّين من أجل إبقاء السوق متوازنة. إلّا أنّ هناك من يأمل أن تلعب السعودية دور “أمّ الصبيّ” بحيث تتحمّل عبء خفض الإنتاج وحدها كلّما وقعت أزمة فائضٍ في المعروض، وهذا ما لم تعد تقبل به الرياض. بل إنّها تعطي إشارات للجميع إلى أنّها مستعدّة للمبادرة وتقديم المثال للجميع في التخفيض والالتزام، لكنّها سئمت من تحمّل الأعباء عن الآخرين. فإمّا أن يلتزموا جميعاً وإمّا فليتحمّل كلٌّ مسؤوليّته.

كان الاتّفاق قائماً على زيادة الإنتاج بشكل تدريجي بنحو 137 ألف برميل يوميّاً كلّ شهر اعتباراً من بداية نيسان الفائت. وحتّى تلك الزيادة كانت موعداً مؤجّلاً من العام الماضي، وكان بالإمكان تأجيلها مجدّداً تبعاً لظروف السوق. لكن دفع الالتزام السعوديّة ودولاً أخرى إلى اتّخاذ موقفٍ مؤيّدٍ لتسريع زيادات الإنتاج لتضع الجميع أمام مسؤوليّاته.

يذكّر ما يجري اليوم بما حدث عام 2020، حين اجتمعت الدول الأعضاء في آذار من ذلك العام في فيينا، فيما كانت جائحة كورونا تخلي الشوارع من السيّارات والأجواء من الطائرات، وتلوح في الأفق أزمة فائض في المعروض النفطي. في ذلك الحين طرحت السعوديّة على الدول الأعضاء مقترحاً بخفض حادّ للإنتاج، لم يلقَ قبولاً من عدد من الدول الفاعلة، ومن ضمنها روسيا.

باتت السعودية تدير توقّعاتها لأسعار النفط على أساس الدورات السعريّة الكبيرة التي تمتدّ لأكثر من عشر سنوات

ربّما كان الاعتقاد حينها أنّ السعودية ستقفز وحدها للإنقاذ حين تجد أنّ السوق توشك على الانهيار. لكنّ الرياض اتّخذت حينها قراراً كبيراً بوضع الجميع أمام مسؤوليّاتهم، فانتهى الاجتماع إلى الفشل، وبدأت السعودية بزيادة الإنتاج، فقفز إلى أكثر من 12 مليون برميل يومياً خلال أيّام قليلة. وفي النتيجة، تراجعت أسعار النفط بحدّة، وتضرّرت الشركات الأميركية بشدّة، مع انخفاض سعر النفط الخام الأميركي إلى ما دون الصفر في إحدى الجلسات.

أرض صلبة

بعد ذلك، تحرّك الجميع باتّجاه الرياض، وأجرى الرئيس الأميركي دونالد ترامب (في السنة الأخيرة من ولايته السابقة) اتّصالاً بوليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في الثاني من نيسان 2022، عارضاً التنسيق مع المنتجين الأميركيين في خفض أسعار النفط، وكانت تلك سابقةً تاريخية أن تتعاون الولايات المتّحدة بشكل مباشر مع “أوبك”. وفي اليوم نفسه تلقّى وليّ العهد السعودي اتّصالاً من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للغرض نفسه. وبالفعل، عادت “أوبك بلاس” إلى الاجتماع واتّخذت قراراً بأكبر خفض للإنتاج في التاريخ بنحو 10 ملايين برميل يومياً، أي بما يقارب 10% من الإنتاج العالمي.

ستُظهر الأيّام المقبلة ردّ فعل الشركاء في “أوبك بلاس” والمنتجين الآخرين، لا سيما الولايات المتّحدة، على تراجع الأسعار. وفي خلفيّة المشهد اعتقاد لدى المتخصّصين بأنّ المنتجين الأميركيين أقلّ تحمّلاً لانخفاض الأسعار، نظراً لارتفاع تكاليف الإنتاج لديهم بالمقارنة مع الإنتاج في دول الخليج العربية.

في كلّ الأحوال، تبدو الرياض مرتاحة إلى خيارات دبلوماسيّتها النفطية لأنّها تقف على أرض صلبة من الإصلاحات الماليّة العميقة التي نفّذتها في السنوات الماليّة في ظلّ رؤية 2030، والتي مكّنتها من تقليل تأثّر الاقتصاد والميزانية العامّة بأسعار النفط إلى حدٍّ كبير. إذ إنّ الإيرادات غير النفطية وصلت إلى 43% من إجمالي إيرادات الميزانية في الربع الأوّل من العام الحالي، في حين كانت لا تشكّل سوى 10% قبل عقدين من الزمان. وفوق ذلك، تحظى السعودية بأدنى مستويات المديونية العامّة بين دول مجموعة العشرين، وبأحد أعلى مستويات التصنيف الائتماني، ولذلك لا تجد صعوبة في ضمان استمرارية خطط الإنفاق الحكومي على المشاريع الكبرى بغضّ النظر عن مستويات أسعار النفط.

في المجمل، باتت السعودية تدير توقّعاتها لأسعار النفط على أساس الدورات السعريّة الكبيرة التي تمتدّ لأكثر من عشر سنوات، وليس على أساس التقلّبات بين شهرٍ وآخر أو بين سنةٍ وأخرى. فالأساس لديها هو النظرة الاستراتيجيّة إلى دور النفط في مزيج الطاقة العالمي، وهو ما يبدو أنّه ما يزال في النطاق المطمئن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى