سلايدات

من سيفاوض حزب الله؟

كتب يوسف بزي في المدن :

فاوض حزب الله إسرائيل مرتين، ودوماً عبر رئيس حركة أمل، نبيه بري. في الأولى، كان ترسيم الحدود البحرية وكسبتها إسرائيل جداً. وفي الثانية، اتفاق وقف إطلاق النار الأخير، وانتصرت فيه إسرائيل كثيراً.

في الترسيم البحري، كان الحزب لاهثاً وراء حقول الغاز المحتملة في قعر البحر، لينقذ النظام السياسي الذي يهيمن عليه، ويخرج من الكارثة والانهيار والحصار الخانق، وخرج خالي الوفاض. وفي اتفاق وقف إطلاق النار، كان يحاول إنقاذ ما تبقى من الحزب و”بيئته الحاضنة” بأي ثمن، تجنباً لسيناريو غزة الجهنمي، وخرج مهزوماً ومحطماً.

وعلى جري عادة “نضالية” عربية وإسلامية، لا يرضخ الحزب للوقائع ولا لعقلانية التفاوض إلا بعد فوات الأوان واختلال ميزان القوى، فيأتي أخيراً إلى التفاوض بعد طول ممانعة، ضعيفاً، فقير الأوراق.

من الواضح اليوم، وبعد سنتين حربيتين يعرف الجميع نتائجهما، أن وظيفة سلاح الحزب الأصلية والفرعية انتهت. فلا هو صالح بعد اليوم للتحرير ولا للدفاع ولا للردع، كما أنه ما عاد فعالاً للإسناد أو المشاغلة، ولا لحماية محور إقليمي تقوّض كنمر من ورق. أما مسألة المئة ألف مقاتل لترهيب الداخل، أي اللبنانيين الآخرين، فهي وحدها الجدية، إذا ما قرر الحزب بلحظة يأس جنونية، الانتحار عمداً وبحرب أهلية. وهذا لا يبدو خياراً مرجّحاً.

لذا، “استحقاق” السلاح أصبح ملحاً ولا مفر منه. صار بنداً وطنياً أولاً، وبنداً عربياً بامتياز، وأميركياً بقوة. بل هو بند يتخلل شروط أي ورقة اقتصادية أو أمنية أو ديبلوماسية، أو حتى مساعدة إنسانية أو إغاثية. وبالأحرى، ثمة تفاهم دولي على وضع حد لوجود هذا السلاح.

مع ذلك، هناك وظيفة وحيدة ومستجدة لهذا السلاح: التفاوض.

صحيح أن السلاح كان على الدوام جزءاً من التفاوض الإيراني مع الغرب وإسرائيل، ويستعمل وفق إيقاع توتر طهران وهدوئها، إلا أن الحرب الأخيرة جردت المفاوض الإيراني من هذه الورقة وسلبت منه “الساحة” اللبنانية كلياً. وبات حزب الله وسلاحه وحيدين تقريباً. إنه الآن ومن دون مماطلة أو تأجيل أمام مهمة التفاوض على مصير جناحه العسكري، وقبل فوات الأوان.

أي سياسي عضو في حزب الله، أو موال له، يعرف هذه الحقائق. الإنكفاء الإيراني المريع إلى حد التخلي، والهزيمة العسكرية المستمرة، والتحولات الزلزالية في الشرق الأوسط، تفترض الآن بالحزب أن يتوقف عن تسويق الأوهام والغيبيات، والبدء بالتعامل مع الواقع. ما فعله الحزب وبنى عليه منذ خريف 2004، حين بدء مسار الاستيلاء على لبنان بالقوة والعنف، وما صاحبه من كوارث لا عد لها، وآلام ودموع وخراب.. أفضت إلى وضع لبنان في قاع الهاوية. هناك جيلان لا يعرفان كيف كان يتجه لبنان وبأي حال كان عليه طوال التسعينات وحتى العام 2005. عقدان أحرقهما الحزب من عمر لبنان.

المشهد الأخير في العاصمة السعودية، كما كواليس التفاوض الإيراني الأميركي، ناهيك عن المشاهد اليومية التي تحياها قرى الجنوب والبقاع والطرقات اللبنانية، من هذا التصيّد الذي لا يتوقف بالمسيّرات والطائرات الحربية.. تتطلب من الحزب قراراً كبيراً، منتظراً.

وإذا كانت تجربته على امتداد العقدين المنصرمين، تضع في ذمة الحزب ديناً كبيراً للبنان، فأقل الإيمان أن يهدي هذا البلد “الفرصة” للنهوض مجدداً، واللحاق بالعالم وبما ذاهبة إليه الدول العربية، فلا يتخلف ويدفع أثماناً إضافية.

فرصة حزب الله أن يفاوض دولته اللبنانية، رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، أن يذهب إلى البرلمان ويتفاهم مع اللبنانيين. هذه هي الهدية المنتظرة. بل إنها ضمانة بقائه. وأسوأ ما قد يفعله، هو تجاهل الدولة اللبنانية والتفاوض من وراء ظهرها مع الخارج. أليس هذا ما فعله في الترسيم البحري وفي اتفاق وقف إطلاق النار، فكانت النتيجة مخزية؟

قرار التفاوض لنزع السلاح وفق اتفاق الطائف والقرارات الأممية، ولصالح الدولة ومعها، يمنح لبنان قوة وحصانة. فهل يفعلها الحزب سريعاً أم يتأخر فيفوتنا التاريخ اللئيم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى