سلايدات

هل يلتحق لبنان بمسيرة «العصر السعودي»؟

كتب صلاح سلام في افتتاحية اللواء :
ملامح الواقع الإستراتيجي في المنطقة التي وضع خطوطها العريضة الرئيس الأميركي دونالد ترامب أثناء زيارته التاريخية للمملكة العربية السعودية، سترسم الجغرافيا السياسية في الإقليم على مدى العقود القادمة، وقد تستمر حتى نهايات القرن الحالي تحت عنوان « العصر السعودي».
تفاصيل الزيارة ونتائجها وضعت أسس نظام جديد في المنطقة، ينحو إلى تغليب الإستقرار والأمن في بلدان الإقليم، إستعداداً لإطلاق مسيرة كبيرة من التطوير والتحديث والإزدهار، وطوي صفحة الإضطرابات الداخلية، والنزاعات الإقليمية، مع كل تداعيات عدم الإستقرار الذي هيمن على بلدان الشرق الأوسط وشمالي أفريقيا منذ أكثر من خمسين سنة.

أجواء الإنسجام والتفاعل الإيجابي التي أحاطت بمحادثات سيد البيت الأبيض وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، أنتجت تفاهمات عميقة، تتجاوز لحظة الزيارة، وطبيعة العلاقات المتينة بين الطرفين، إلى تكريس دور كبير للمملكة والأمير الشاب في تحقيق النقلة النوعية المطلوبة، للإنتقال من مستنقعات الوحول الخلافية، إلى آفاق التعاون بين دول الإقليم لبناء «أوروبا جديدة»، عبر إعطاء الأولوية للتنمية المستدامة، وتبادل الخبرات في مختلف الميادين، وتنسيق القطاعات الإنتاجية بين دول المنطقة، وصولاً إلى إنشاء سوق شرق أوسطية مشتركة تضم إلى الدول العربية، كُلًّا من تركيا وإيران، وحتى إسرائيل وفلسطين، في حال إعترفت الأولى بحل الدولتين طبعاً.
كان من الواضح لكل المراقبين أن الضيف الأميركي حرص على إحاطة مضيفه ولي العهد السعودي بهالة من التكريم المميز، تضاهي ما لقيه الزائر من حفاوة ملكية خاصة، وذلك بتعمُّد الرئيس ترامب الإعلان صراحة وفي خطاب علني، أنه قرر رفع العقوبات عن سوريا فوراً بناء لطلب من الأمير محمد بن سلمان شخصياً.
وكرّس اللقاء الخاص بين الرئيس ترامب والرئيس السوري أحمد الشرع، المكانة الخاصة التي يحتلها الأمير محمد بن سلمان، الذي كان وراء هندسة أول لقاء من نوعه للرئيس السوري بهذا المستوى غير المسبوق في تاريخ الرئاسة السورية، قديماً وحديثاً، والذي كان محوره العلاقات الثنائية بين البلدين، وآلية رفع العقوبات الأميركية عن سوريا.
ولا نكشف سراً إذا قلنا أن المملكة، والأمير محمد شخصياً، قام بدور ديناميكي ومؤثر في إعادة الطرفين الأميركي والإيراني إلى طاولة المفاوضات، التي كانت توقفت بعد الجولة الثالثة، وبقيت معلقة أسابيع حافلة بالإتهامات المتبادلة  حول أسباب التعطيل، وما رافقها من ضغوط وتهديدات من الجانب الأميركي. على طهران. وكان وزير الخارجية الإيراني زار الرياض قبل موعد زيارة الرئيس الأميركي، وبحث في ملابسات تعليق المفاوضات مع واشنطن، طالباً بذل المساعي السعودية الحميدة مع الجانب الأميركي لتسريع العودة إلى مفاوضات الجولة الرابعة. وهكذا كان حيث إلتقى الوفدان الأميركي والإيراني في سلطنة عُمان.
والتطور الهام برز في التعاطي الأميركي مع مطالب السعودية الإستراتيجية، وفي مقدمتها التعاون في مجال الطاقة النووية، والحصول على طائرات F35» « لسلاح الجو السعودي، والتزود بأسلحة متطورة، تمت الموافقة عليها أثناء الزيارة، دون ربطها مع أي خطوة لها علاقة بملف التطبيع مع إسرائيل، وإتفاقات إبراهام، على النحو الذي كان يجري طوال السنوات السابقة. وهذا يعني أن نتائج الزيارة الرئاسية الأميركية للسعودية، قد أحدثت شرخاً بين واشنطن وتل أبيب، ليس من السهل على الأخيرة تجاوزه بسهولة.
أما إنتقال الرئيس ترامب إلى الدوحة وأبو ظبي في زيارتين خاطفتين، فقد غابت عنه السياسة، وطغى عليه «طابع البزنس»، من خلال الإتفاقات التي عقدت مع رؤساء الشركات الأميركية العملاقة المرافقة للرئيس، والتي حصدت عشرات المليارات من الدولارات.
لبنان كان حاضراً في محادثات ترامب في السعودية، ولكن في إطار تحذيري، أكثر منه  إهتمامي، كما حصل مع سوريا، ولقاء الشرع مع الرئيس الأميركي.
الإستنتاج الأولي يوحي وكأن لبنان ما زال في مرحلة الإختبار لقدرات العهد الجديد وحكومته على تنفيذ التعهدات الواردة في إتفاق وقف العمليات العسكرية مع إسرائيل الذي أنهى الحرب في ٢٧ تشرين الثاني الماضي، وفي مقدمتها حصر السلاح بالدولة اللبنانية، وتفكيك البنية العسكرية لحزب الله، وبسط سلطة الدولة على مختلف المناطق اللبنانية.
وبموازاة معالجة إشكالية السلاح، ثمة متابعة أميركية وعربية دقيقة للمسار الإصلاحي الجدّي الذي بدأته الحكومة، والمعوّقات التي تحول دون وصوله إلى سكة التنفيذ، لا سيما المناقشات البيزنطية أحياناً في مجلس النواب، فضلاً عن حسابات حفظ التوازنات الدقيقة في بعض مناصب الفئة العليا.
ولعل عدم الحسم السريع لهذين الملفين من قبل الدولة اللبنانية، كان من أسباب عدم جدوى الإتصالات والمساعي التي بذلت لترتيب لقاء للرئيس عون مع الرئيس الأميركي برعاية الأمير محمد بن سلمان في الرياض، حيث بعث الرئيس الأميركي برسالة تحذيرية علنية إلى لبنان لإغتنام الفرصة الذهبية المتاحة للخروج من أزماته عبر إستعجال تنفيذ الخطوات المطلوبة منه، مقابل إلغاء الحظر على تقديم المساعدات وإطلاق ورشة الإعمار.
فهل سيغتنم لبنان الفرصة الذهبية، والتي قد تكون الأخيرة، ويلتحق بمسيرة «العصر السعودي»؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى