سلايدات

الانتخابات البلديّة ومؤشّراتها شيعيّاً

كتب مروان الامين نداء الوطن:

جاءت الانتخابات البلديّة كي تشكّل مؤشّراً أوّليّاً مهمّاً للقوى السياسيّة قبل الانتخابات النيابيّة، إلّا أنّها لا تعكس بدقّة التوازنات الفعليّة، خصوصاً في البيئات السنيّة والمسيحيّة والدرزيّة، حيث تتداخل الاعتبارات العائليّة مع تحالفات محليّة متغيّرة ومتناقضة بين بلدة وأخرى. كذلك، فإنّ المتغيّرات السياسيّة في لبنان والمنطقة، وشكل التحالفات التي سينسجها كلّ فريق، سوف تلعب دوراً حاسماً في إعادة رسم المشهد الانتخابي لعام 2026 في هذه السّاحات.

أمّا في البيئة الشيعيّة، فالوضع يختلف كلياً، حيث يحمل هذا المؤشّر دلالات أكثر وضوحاً، نظراً لثبات المشهد السياسيّ ووضوح الاصطفافات داخل هذه السّاحة.

لذلك، لا بدّ من فتح الباب أمام قراءة تشريحيّة للعوامل التي ساهمت في سيطرة “الثنائي” على المشهد الانتخابي، لا سيّما في ظلّ تداعيات الحرب الأخيرة وتراجع مشروع “محور الممانعة”.

أوّلاً، شكّل “عامل الدم والشهادة” والوفاء للسيّد حسن نصراللّه محوراً أساسيّاً في خطاب التعبئة الذي اعتمده “حزب اللّه” خلال الانتخابات. هذا البُعد الذي يحاكي الغريزة والعاطفة كان له الدور الرئيسي في تحفيز الجمهور، وفي تعطيل دور العقل في الاختيار على قاعدة مصلحة المواطن في الخدمات المحلية التي عادةً ما تُطرح في الاستحقاقات البلديّة، والتي فشل فيها “الحزب” فشلاً ذريعاً في معظم البلدات والقرى.

ثانياً، يستند “حزب اللّه” إلى إرثٍ متين من الأيديولوجيا الدينيّة المسلّحة، بُني على مدى أربعة عقود، والمدعومة بشبكة واسعة من الخدمات الصحيّة والتعليميّة والاجتماعيّة والماليّة، تُرصد لها موازنات بمليارات الدولارات. هذا النموذج ما زال قائماً رغم الهزيمة العسكرية والانتكاسة السياسية اللتين مُني بهما مؤخراً.

ثالثاً، على الرغم من تراجع فعاليّة دور “حزب اللّه” العسكري في مواجهة إسرائيل، إلّا أنه لا يزال يحتفظ بحضور أمني وسياسي قوي داخل لبنان. هذا النفوذ المتغلغل في مؤسّسات الدولة الأمنيّة والقضائيّة والخدماتيّة في مناطق نفوذه ينعكس بشكل مباشر على تفاصيل الحياة اليوميّة للناخبين الشيعة، ويعزّز شعورهم المستمرّ بسيطرته.

رابعاً، ورغم حالة الغضب الشعبي من جرّاء تعثّر انطلاق عمليّة إعادة الإعمار، إلّا أنّ أحد الأسباب التي تساهم في إبقاء هذا الغضب محصوراً وغير معبّر عنه في الإعلام أو صناديق الاقتراع، يعود إلى الأمل الذي ما زال يراود الناس بإمكانية تعويضهم لاحقاً، ما يدفعهم إلى تجنّب الخروج عن ولاء “الحزب”.

خامساً، يُضاف إلى ما سبق، غياب بديل سياسيّ فعّال داخل البيئة الشيعيّة، حيث تفتقر المعارضة إلى القدرة التنظيميّة والمناخ الآمن للتحرّك. فكلّ محاولة للخروج عن سلطة “حزب اللّه” تُواجَه بالنبذ الاجتماعي والتضييق الاقتصادي واتهامات بالتخوين والعمالة، ما يعقّد مهمّة بلورة بديل جدّي، ويُرسّخ هيمنة “الثنائي الشيعي” على التمثيل السياسي في الطائفة.

كما اختلفت دلالات الانتخابات البلديّة في البيئة الشيعيّة عن باقي المكوّنات اللبنانيّة، كذلك الأمر يمكن تفسير التراجع في نسب المشاركة عند الشيعة بشكل مختلف عن أسبابه لدى باقي المكوّنات. على الرغم من الحملة التعبويّة المكثّفة التي ركّزت على رمزيّة “الدم والشهادة” والوفاء للسيد نصراللّه، إلّا أن نسبة التصويت انخفضت بنحو 10 % مقارنة بانتخابات عام 2016.

هذا التراجع يُعدّ مؤشّراً على حالة من التململ والاعتراض الكامن داخل القاعدة الشعبيّة، وإن بقي في إطاره السلبيّ أي بالمقاطعة. فالاحتجاج، وإن كان صامتاً اليوم، يحتاج إلى ظروفٍ سياسيّة وأمنيّة واجتماعيّة مختلفة، وإلى مزيد من الوقت، كي يتحوّل إلى اعتراض إيجابيّ يُترجم فعلياً في صناديق الاقتراع.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى