سلايدات

مؤتمر الحكومة الذكية يضع اللبنات الأولى لرؤية رقمية وطنية شاملة

كتبت أميرة حمادة في نداء الوطن:

في بلد يرزح تحت أعباء اقتصادية وإدارية متزايدة، ويكافح لاستعادة ثقة مواطنيه بمؤسساته العامة، لم يعد التحول نحو الحكومة الذكية ترفاً تكنولوجياً، بل أصبح ضرورة وطنية ملحّة، فلبنان، الذي لطالما تميّز بموارده البشرية الفريدة في الداخل والانتشار، يرى في الرقمنة أداة إصلاح جوهرية ومخرجًا واقعيًا من أزماته البنيوية المتراكمة.

وانطلاقاً من هذا الواقع، وفي ظل عهدٍ يولي الرقمنة أولوية استراتيجية ضمن مسار الإصلاح الوطني، يشكل استحداث وزارة الدولة لشؤون التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي خطوة تعبّر عن إدراك عميق لأهمية التحول الرقمي، وتجسّد التزام الحكومة بإعادة بناء مؤسساتها على أسس عصرية، قادرة على مواكبة تطلعات المواطنين والتحديات المتسارعة.

وفي هذا السياق، أكد وزير المهجرين ووزير الدولة لشؤون التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، الدكتور كمال شحادة، في تصريح لصحيفة “نداء الوطن”، أن الحكومة الذكية تمثل ركيزة أساسية ضمن خطة متكاملة لاستعادة ثقة المواطن بالدولة ومؤسساتها. وأضاف: “التحدي الحقيقي لا يكمن في استرجاع الثقة بالمؤسسات كما هي، بل في تجديدها بالكامل، من خلال إعادة النظر في مهامها، وآليات عملها، وتبني التقنيات الحديثة والذكاء الاصطناعي، بما يضمن تقديم خدمات سريعة ومتاحة، لجميع المواطنين”.

وعن الأثر المالي المتوقع لهذا التحول على الميزانية العامة، لفت شحادة إلى أن إدخال التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي إلى الخدمات الحكومية من شأنه أن يرفع من إيرادات الدولة من خلال تسهيل وصول المواطنين إلى المعاملات الرسمية وزيادة معدلات استخدام الخدمات، لكنه شدد في المقابل على أن هذا المسار يتطلب استثمارات مهمة في البنية التحتية الرقمية، تشمل تحديث الشبكات، ربط الإدارات الرسمية، إنشاء قواعد بيانات وطنية ومراكز بيانات حديثة، فضلاً عن الاستثمار في تأهيل وتدريب الكوادر البشرية في القطاع العام”.

وفيما يتعلق بدور الكفاءات الاغترابيه في دعم هذا المسار، أوضح شحادة أن الوزارة تعوّل بشكل كبير على اللبنانيين في الخارج لما يتمتعون به من طاقات معرفية، وخبرات تخصصية، وقدرات استثمارية، إضافة إلى ارتباطهم العميق بالوطن. وأكد أن مشروع الحكومة الذكية يلقى اهتمامًا خاصًا لدى المغتربين، لما له من أثر مباشر في تسهيل تعاملهم مع الدولة اللبنانية، سواء خلال زياراتهم أو من خلال معاملاتهم عن بُعد، مشيرًا إلى أن ” الحكومية تراهن على دورهم في الريادة والابتكار، والدعم المالي والاستثماري، والمشاركة المباشرة في تنفيذ المشاريع”.

واستكمالا لهذا النهج، يرعى فخامة رئيس الجمهورية، العماد جوزاف عون، مؤتمراً يعقده مجلس التنفيذيين اللبنانيين يوم 3 حزيران 2025 تحت عنوان: “الحكومة الذكية: خبرات الاغتراب في خدمة لبنان”، ويهدف إلى تسليط الضوء على الدور المحوري للكفاءات اللبنانية في الخارج وربطها بمسارات التطوير والإصلاح في القطاعين العام والخاص.

وفي هذا الصدد، شدد رئيس مجلس التنفيذيين اللبنانيين ربيع الأمين، على أن المؤتمر يشكّل محطة مفصلية على طريق بناء دولة رقمية حديثة تُعيد الاعتبار لفعالية الدولة وتعزز الشفافية والمساءلة. وأضاف: “مؤتمر الحكومة الذكية ليس فعالية نظرية، بل منصة عملية تُقدم حلولًا تقنية وإدارية قابلة للتنفيذ، تستفيد من التجارب الناجحة للبنانيين في دول الاغتراب، وتهدف إلى خلق جسور تعاون مستدام بين العقول المنتشرة في الخارج ومراكز القرار في الداخل، لدفع لبنان نحو دولة رقمية تلبي تطلعات أبنائه”.

وأكد الأمين أن لبنان اليوم بأمسّ الحاجة إلى رؤية رقمية وطنية شاملة، وأن هذا المؤتمر يضع اللبنات الأولى لهذه الرؤية، من خلال التركيز على تطوير الخدمات الرقمية الأساسية، وصولًا إلى بناء منظومة ذكية متكاملة تُدار بالبيانات، وتُراقب بالأدلة، وتعمل بكفاءة.

أمام تراجع فعالية الإدارة التقليدية وفقدان الثقة بالمؤسسات، يشكّل التحول الرقمي فرصة حاسمة لإعادة بناء الدولة على أسس حديثة، قوامها الكفاءة والمساءلة والشفافية. فالحكومة الذكية لم تعد خيارًا، بل ضرورة لبناء لبنان الذي يليق بتاريخه وطاقاته، في الداخل والاغتراب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى