سلايدات

كيف يخرّب لبنانيون يومياً “الوطن النهائي لجميع أبنائه”!

كتب أنطوان مسرّه في نداء الوطن:
في اجتماعات ولقاءات وندوات ومداولات وسجالات في أعلى القمم المؤسّساتية نعيش ذهنية لبنانية تتطلّب معالجة في الثقافة الدستورية والسياسية وعلم النفس اللبنانيّ التاريخيّ والعياديّ.

ما معنى “وطن نهائي لجميع أبنائه” في مقدّمة الدستور والتي تعتبر إنجازاً بالغ الأهمية في دستور 1990؟ إنّها تعني، بعد حروب متعدّدة الجنسيات في لبنان في السنوات 1975-1990 بعد اتفاقية القاهرة سنة 1969 وتداعياتها، ثم اتفاقية قاهرة متجدّدة في 6/2/2006 وكوارثها، أنّ لبنان في جغرافيّته وبنيته السكانية وانتمائه العربي ومنظومته الدستورية أيضاً هو نهائيّ. كلّ ذلك هو ثمرة اختبار تاريخيّ ومعاناة وذاكرة مشتركة.

1. هل الشعب اللبناني مراهق سياسيّاً؟ الحاجة إلى التوقّف حول “نهائية الوطن” في ما يتعلّق بالدستور وما يوصف بـ “ثغرات” في الدستور واقتراح “تعديلات” مشبوهة أو نابعة عن حسن نيّة في الدستور. الدستور هو الأساس والتأسيس، كما في الهندسة المعمارية. هل اللبنانيون شعب مراهق لم يتعلّم ولا يتعلّم ولن يتعلّم ولم يبلغ، بعد الاختبار والكوارث والمعاناة، سن الرشد الدستوري، بل يعود بشكل مستدام إلى طروحات “النظام”؟ وماذا يعني الخطاب السائد حول “بالنظام”؟ هل النص الدستوري؟ أم الممارسة؟ أم خطاب السوق؟

إنّ الدستور اللبناني، في النصّ ومن منظور عالميّ ومقارن في عالم اليوم، هو من أرقى الدساتير عالمياً في كلّ ما يتعلّق بالإدارة الديمقراطية للتعدّدية الدينية والثقافية ومقارنة مع أكثر من ثلاثين دستوراً عالمياً: سويسرا، النمسا، بلجيكا، جزر فيدجي، جزيرة موريس، أفريقيا الجنوبية، غانا، أيرلندا الشمالية…

قد يقول البعض، اجتراراً لنمطية ذهنية، إن هذا دفاع عن “الصيغة”! لا دفاع ولا تبرير ولا رأي ولا موقف! الموضوع هو ثمرة اختبار! تتمتّع البنية الدستورية اللبنانية بمناعة قصوى لا مثيل لها عالمياً. طوال أكثر من 15 سنة تمّ زرع كل جغرافية لبنان بمتاريس ومعابر في سياق استراتيجية صهيونية تفصيلية وتطبيقية في مراسلات بين موشي شاريت وبي غوريون في سبيل انفصام العلاقات بين الطوائف. ثم اعتمدت استراتيجية الدولة الرديفة وعقيدة طغيان أكثرية أو أقلية منذ اتفاقية قاهرة متجدّدة في 6/2/2006.

2. لبنان الدستوري ومناعته القصوى اختبارياً؟ هل لبنان عصيّ عن التغيير؟ إنه عصيّ عن التغيير في كيانيته “كوطن نهائي لجميع أبنائه”. لكنه بحاجة قصوى إلى تغيير، ليس إطلاقاً في دستوره وكامل بنود الدستور، بل في الثقافة الدستورية والسياسية والذاكرة والعقلانية البراغماتية استناداً إلى كلّ الآباء المؤسّسين وقيم لبنان التأسيسية.

3. استعادة “الكتاب”: إن المهمة الأبرز في عهد استعادة الدولة في لبنان وانتخاب “رئيس دولة” (المادة 45)، وتشكيل حكومة طبيعية “إجرائية” (الفصل الرابع من الدستور) وليس برلماناً مصغراً، هو العمل على حمل “الكتاب”، أي الدستور، وترسيخ شرعية الكيان الدستوري اللبناني légitimité التي تتميّز عن القانونية في الإدراك الجماعي اللبناني. لا انجراف في ما يوصف “بتفسير” الدستور، ولا بمخادعات “ميثاقية” تعبّر عن جهل لمضمون الميثاق في وثائق تاريخية في آلاف الصفحات، ولا في مخادعات في الثلث والتعطيل والحجم والأحجام والحصص و “حقوق طوائف”…

4. ماذا يحترم اللبنانيون؟ إنه مسار دستوري في العودة إلى “سمو الدستور”. هل يعقل أن يطالب رئيس دولة يحلف اليمين الدستورية “بتفسير” الدستور! يعني ذلك وجوب خضوعه، قبل حلفه اليمين الدستورية، إلى لجنة فاحصة للتأكد من إدراكه مضمون حلف اليمين!

إنه مسار ثقافي بشكل خاص والأساس في سبيل الاستقرار واستعادة الثقة. إذا استمرّ لبنانيون في اجترار مقولات “تفسير” الدستور، وسجالات حول “النظام”، فإنه من الأرجح أن الشعب السوري سيعتمد دستوراً جديداً في حين يستمرّ لبنانيون في بحثهم في الدستور و “تفسيره” و “ثغراته” وتعديلاته!

تكمن الأمثلة الإيجابية الأبرز في سويسرا وأيرلندا الشمالية وأفريقيا الجنوبية. اعتمدت هذه البلدان صيغاً دستورية بعد فترات تاريخية ومعاناة ثم انتهى الجدال وتجذّر ما يصفه إدمون رباط “بالتعهّدات الوطنية” في الإدراك الجماعي لدى شعوب بلغت سن الرشد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى